خضر دوملي *
تنتشر هنا وهناك بعض الاحاديث التي تعلن على لسان سياسيين ومسؤولين حكوميين في العراق على العمل من اجل اقامة مبادرة مصالحة، ترافقها الان احاديث من قبل بعثة الامم المتحدة في العراق حول امكانية عقد مؤتمر للمصالحة على اثر الانتكاسات الكبيرة للدولة العراقية بعد احتلال داعش للموصل وغزوتها لسنجار في الثالث من آب 2014 وما تركتها من أثار صادمة على المشهد الانساني.
مناسبة الحديث عن المصالحة ومع من وكيف ؟ جاءت بعدما تلقيت مكالمة هاتفية من احدى المقاتلين في جبل سنجار- شنكال ومن الذين لايزال لديه الكثير من اقاربه من النساء والاطفال في قبضة داعش، مصير بعضهم مجهول شأنه شأن مئات العوائل الاخرى، اذا قال “تمنيت لو شاهدت لقاء اثيل النجيفي وبعض الذين يدعون شيوخ عشائر عربية من الموصل واطرافها الغربية أنهم يتحدثون عن المصالحة مع الايزيدية لا بل تبين من اللقاء انهم يؤكدون انه على الايزيدية القبول بالمصالحة”. وما اثار حفيظة صديقي السنجاري ان اللقاء تمركز على ضرورة البدء بالمصالحة في محاولة منهم لكي يتبرؤوا مما حدث في مناطقهم تجاه الايزيدية من سبي الاف النساء و عبوديتهم وخطف الاطفال واجبارهم على ترك دينتهم ومن ثم ابادتهم وقتل الرجال ودفنهم .
وبما ان كل النزاعات والصراعات تنتهي بالمصالحة والمسامحة وبناء السلام، الا أن لكل نزاع اطاره وسياقه، وتتركز عمليات المصالحة على حجم الخسائر والاثار التي نتجت عنها والالام التي تتركها على الضحايا وعمليات التغيير التي تصيب المنطقة… بما ان هذه الامور كلها لاتزال مستمرة ومتواصلة الحدوث فيما يتعلق بغزوة سنجار وما تركته من أثار يتبادر الى الذهن ضرورة القول بأن اية مصالحة لابد ان تكون ضامنة لحقوق الضحايا قبل أي شيء مع رد الاعتبار الكبير للايزيدية لخصوصيتهم وكرامتهم الانسانية .
في ما يتعلق بغزوة سنجار كان صديقي المقاتل متحمسا بأن اللقاء كان بمثابة اهانة للايزيدية لأنه يأتي على ضوء لقاء لمجموعة شيوخ عشائر وصفها بأنهم (( مجرمون يتسترون على سراق نهبوا الاموال ودمروا منازلنا ولايزالوا يسرقوا اراضينا ومقتنيات منازلنا ويفجروها ويدمروها،، من أين أتى هؤلاء الذين يقومون بهذه الاعمال ؟ هل قدموا من المريخ؟ أنهم ابناء هذه العشائر التي يرأسها هؤلاء الشيوخ))، وشدد بأن لامصالحة مع هؤلاء المجرمين… عن أية مصالحة يتحدثون؟ أنهم مجرمين غالبيتهم ساهموا بقتل نسائنا والتفرج على قتل وأسلمة اطفالنا،،، ولأن هذا الامر صحيح يتفق معه جميع المراقبين للاثار المدمرة لغزو سنجار…. ولكن اذا ما أردنا ان نفكر بالمستقبل وبالعيش المشترك لابد من القول انه دوما هناك اشخاص يرغبون أما بالبدء من جديد او اشخاص يريدون طي صفحة الماضي وبناء العلاقات وفق سياقات جديدة وتعزيز الثقة فيما بينهما،،، لكن صديقي كان متشنجا وقال: عن اية مصالحة يتحدثون ولاتزال هناك الاف النساء والاطفال في مناطق تقع تحت سيطرة رؤساء العشائر هؤلاء في ظروف يندى لها جبين الانسانية؟؟، مضيفا ان : هؤلاء الذين ايدوا بقوة عصابات داعش لأرتكاب تلك الجرائم وكانوا اليد الطولى لها في خطف النساء الايزيديات وسبيهم واغتصابهم،،،، وحسبما قال صديقي وتشير اليها كل الوقائع فأن هؤلاء لم يكن لهم حتى تصريحا يندد بخطف النساء او قتل الاطفال فكيف اذا يطلبون منا المصالحة وهم لايزالوا يحتفظوا بمئات الفتيات كجواري في مناطقهم.
عليه فان الحديث عن المصالحة وما تريد الذهاب اليه المؤسسات الدولية هو امر لابد منه، ولابد ان تكون لهذه المصالحة مجموعة مقومات مهمة وراسخة حتى يتحقق الهدف منها ولاتذهب هباءا تلك الجهود، فالامر ليس فقط صورة تجمع مسؤولين ولقاء تلفزيوني لأن الامر اكبر من ذلك بكثير، فأن لم تكن هناك خطة متكاملة في عملية المصالحة لن تنجح ابدا، واذا فكرت بعثة الامم المتحدة او أية جهة سياسية او اجتماعية او اية مؤسسة اخرى بانها بجمع ولقاء بعض الشخصيات يمكن لهم ان يحققوا المصالحة بخصوص سنجار فهم مخطئون جدا، وذلك بسبب اختلاف طبيعة النزاع والسياق العام، له حيث لاتزال المناطق التي يتولى او على الاقل هؤلاء شيوخ العشائر قيادتها هي الحواضن الاكبر لداعش وجرائمهم ولن تصبح مناطق صالحة للعيش لجميع المكونات الموجودة هناك لفترة طويلة!! .
المقاتل السنجاري الذي كان يتحدث بعصبية شديدة قال : يعلمون ان داعش في طريقه الى التقهقر والاندحار والانهيار، ومن الان يتقرب هؤلاء الى القيادات حتى يهيؤوا لبقائهم ويتبرؤا للجرائم التي ارتكبها ابنائهم بحق الايزيدية وجميع المكونات الاخرى في سنجار وتلعفر وبقية المناطق التي تخضع لنفوذهم في ظل سيطرة داعش التي لو لا مساعدتهم وتعاونهم لما استاطعت ان ترتكب تلك الجرائم الكبيرة،، واذا ما تحققت مأرب هؤلاء فانهم سيبقون كما كانوا العائق امام الاستقرار، وسيبقون يمتصون دماء اهل المنطقة .
ان عمليات المصالحة في كل دول العالم التي تشهد النزاعات تبدأ ويرافقها العديد من الجهود المحلية والدعم والتنسيق الدولي، ولكن بخصوص قضية مثل قضية سنجار فان الامر فيه الكثير من التعقيد، كيف يتسنى لمسؤول حكومي كبير مثل ((محافظ نينوى – للاسف لم اشاهد اللقاء الذي قيل لي انه بث من قناة نينوى الغد)) او اي مسؤول اخر ان يتجه صوب هذا الامر مع هؤلاء ولايزال النزاع في أوج قوته، حيث يعد هذا الامر عائقا كبيرا منذ البداية في تحقيق المصالحة، لأنها يجب ان تبدء وفق خطوات مهمة ومتناسقة تبدأ بتشكيل لجان تقصي الحقائق ثم يعقبها اعلان محاسبة ومعاقبة الذين ارتبكوا الجرائم ومن كانت لهم مساهمة في عمليات الخطف والتقل والسبي وبيع النساء، تليها عمليات المحاكمة والتي يجب ان تبدأ من الان بحق كل من كان له يد في حدوث تلك العمليات.
ان المصالحة مع كل من ارتكب الجرائم بحق المواطنين المدنيين لايجب ان تتم في غرف مظلمة بل مكشوفة وعلانية،،،، حتى يعرف المواطنين اي درجة من احقاق العدالة وتطبيق القانون تتم، ثم من المهم ايضا ان تكون هناك لجان دولية تراقب تلك العملية وترافقها عمليات التعويض المباشر والكبير، فرغم ان لاشيء يعادل اهانة وسلب كرامة أمرأة، ولاشيء يعوض فقدان عزيز او تدمير منزل، ألا ان التعويض يجب في هذه الحالة ان يكون كبيرا ومباشرا وفق معايير دولية يتم تطبيقها مباشرة لأن المواطنين خسروا كل مايملكون في هذا النزاع المرير.
ان مخاوف المقاتل السنجاري هي مخاوف الغالبية في ان تتم عمليات مصالحة شكلية ويبقى هؤلاء المجرون طليقين، ويبقى الذين ارتكبوا الجرائم بعيدا عن العدالة وتطبيقها، مما يعني بقاء اسباب وجذور النزاع الرئيسية، وامكانية عودته مجددا وتوسع عمليات الانتقام.
المصالحة يجب ان تكون بناءه حتى تسد الطريق امام الانتقام وترافقها عمليات نشر وتعزيز السلام من عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وصولا الى تغير اسس ادارة المنطقة والتعامل مع الواقع الجديد ومعطياته، تلك المعطيات التي افرزته غزوة داعش لسنجار، لأنه بخلاف ذلك فان امكانية العودة أشبه بالمستحيلة، وامكانية بناء العلاقات مجددا بين مكونات المنطقة امر صعب للغاية، وبناء الثقة سيكون غاية في التعقيد والصعوبة، فعن أي مصالحة يتحدثون؟ أنها اخر كلمات صديقي المقاتل السنجاري التي تشبه نداء الذين يقاتلون في الدفاع عن المنطقة اولا وحمايتها ثانية وضرورة ان يكون لهم صوت في عمليات المصالحة ثالثا.
*مستشار اعلامي وباحث في حل النزاعات وبناء السلام وشؤون الاقليات