خضر دوملي
لابد من القول ان الوضع الحالي الذي يمر به اقليم كوردستان لايستدعي المزيد من الازمات وتصعيد المواقف في أي أتجاه، والامر اكثر اهمية في تصعيد الصراع وتشعب الازمة في واحدة من مناطق الصراع المعقدة حاليا في سنجار، فالاسباب التي أدت ان تحدث او يحدث انهيار السلطة وغزوة داعش لسنجار لم تكن ذات تأثير كبير في كيفية التعامل مع واقعها الحالي واعتقال او القاء القبض على المقاتل حيدر ششو هو ذلك الفصل الذي ينبىء بتعقيد الصراع هناك لامحالة .
من الضروري ان نعلم انه مع حدوث النزاعات في اي منطقة وفي أي موقع جغرافي وبين أي نوعين من الاطراف، سياسية كانت أم قومية، دينية كانت ام اثنية، او التي تتداخل فيها هذه العناصر جميعا، تظهر قوى جديدة على الارض، وعند العمل على أدارة هذا الصراع او التعامل معها، لابد من وضع الخطط والاليات في كيفية احتضان والتعامل مع جميع القوى الموجدة على الارض، وبالنسبة للصراع الدائر في سنجار الذي يعد او تعد ( عناصر الدولة الاسلامية – داعش ) احد اطرافها الرئيسية ، بينما الطرف الاخر- الاطراف الاخرى تمتلك خلفيات واسماء و مسميات اخرى عديدة – فهناك القوى التي تحركت منذ سقوط سنجار في اليوم الاول 3- 8 – 2014 وحملت السلاح ودافعت عن المنطقة بعيدا عن اية تصورات وانتماءات، ثم تشكلت قوى اخرى ومجاميع صغيرة لاتزال تقاتل في الجبل بشكل بطولي قل نظيره، وتشكلت بعدها قوات حماية شنكال، تواجدت هناك ايضا مجاميع من قوات حماية الشعب الكوردية YPG ثم طبعا قوات البيشمركة التي تعد القوى الرئيسية واحد الاطراف الرئيسية في مقاتلة داعش منذ ذلك الوقت والى الان ومجاميع اخرى قد تظهر بعد بيان ووضوح خريطة النزاع في مرحلته اللاحقة.
لكن وفقا للتصورات التي ظهرت على الارض الان تبين ان قوات حماية سنجار التي تشكلت ضمن تشكيلات الحشد الشعبي التي قادها منذ البداية حيدر ششو باتت تأخذ الاهتمام الدولي والمحلي الاكبر، وجاءت طريقة ادارة التعامل مع ملف القوى الموجودة في هذه المساحة الحرجة والاستراتيجية من الصراع الذي تخوضه قوات البيشمركة في اقليم كوردستان لكي يفسر وجودها بطريقة قد تكون غير متطابقة مع الواقع بشكل علمي، واعتقد ان الدراسات والتصورات التي أدت الى اعتقال او القاء القبض على حيدر ششو- رغم ان له ايضا أخطاءه وبعض الاليات في التعامل مع الصراع قد لاتتفق ورؤية اقليم كوردستان الذي لايزال السند الرئيسي للمنطقة حاليا ومستقبلا، لم تكن قد أخذت بنظر الاعتبار جميع العوامل الموجودة على الارض – ارض النزاع والافاق المستقبلية للمنطقة، ولذلك أدت الى هذه النتجية، كما لم تكن تلك الدراسات والتقارير التي وصلت القيادة الكوردية في اربيل دقيقة قبل سقوط سنجار، هي نفسها الان تتكرر الان ايضا في انهم لايوصولن الواقع الحالي على الارض بالشكل والصورة الصحيحة للقيادة، ويبدو ان الاعتماد على افاق ضيقة و تصورات قد تكون شخصية هي التي أسفرت عما وصل اليه الامر .
تشير الدراسات الجديدة في أدارة الازمات والصراعات أنه مهما كان حجم وهوية القوى التي تظهر بعد النزاعات فأنه يستوجب التعامل معها واحتضانها في التخطيط للمستقبل – لمرحلة مابعد النزاع، لأنها تكون عنصرا سهلا في الاخلال بالامن في مرحلة ما بعد النزاع، كما ان التعامل معها يؤكد اهميتها باعتباره جسرا او سندا من اسانيد الاستقرار المستقبلي، وتزداد الحاجة اليها في فترة الصراع – النزاع مهما كان دورها صغيرا، واهمال وتهميش هذه القوى لايساعد على أي طرف على النجاح وخاصة اذا فكر انه يمكن ان يدير النزاع و يخرج من الازمة وفق تصوراته وحده، وهذا الامر ينطبق كثيرا على النزاع في سنجار .
ان الطبيعة المعقدة لصورة وخريطة النزاع الموجودة في سنجار كانت تتطلب من القيادة الكوردية المزيد من الحكمة ودراسة وأدارة الازمة باسلوب ( الادارة المدركة للازمة ) والتي تأخذ بنظر الاعتبار حجم ودور وتأثير جميع الاطراف الموجودة على الارض، سواءا في كيفية التعامل معها في الوقت الحالي، – عدم توسيع النزاع و فتح جبهات جديدة مع الاطراف الحليفة – وكيفية المشاركة معها في رسم السياسات والخطط المستقبلية لمرحة مابعد النزاع .
وفي الوقت الذي لايزال الصراع والنزاع على سنجار مستمرا وقد اذهلت قوات البيشمركة واقليم كوردستان مكانة دولية واحترام من قبل مراكز القرار الدولي في دعمه وأسناده وفقا لطريقته في قتال داعش، كان على المشرع في الية التعامل مع الازمة أنه في حال حدوث اي شرخ في ادارة النزاع ستعكس على صورة الاقليم ومكانته الدولية، ولذلك هنا يأتي التأكيد مجددا بان الذين قرروا كيفية التعامل مع واحدة من هذه القوى الرئيسية في النزاع لم يؤخذوا هذين الاعتبارين بنظر الاعتبار الى جانب اعتبارات كثيرة اخرى. والجانب الاخر الاكثر اهمية هو التأثير على الجانب العاطفي لارادة الناس التي لاتزال تئن تحت وطأة خطف الاف النساء والاطفال ومقابر جماعية ونزوح اكثر من ثلاثمائة الف نسمة يعيشون في ظروف سيئة لم تتوفر بعد اية مقومات لعودة الكثير منهم في مناطق تحررت منذ اكثر من ثلاثة اشهر، التي تبين الوجه الاخر لطريقة واسلوب ادارة النزاع بعيدا عن الدراسات الدقيقة والواقعة التي تستند على الواقع على الارض لما بعد النزاع – لما بعد غزوة داعش للمنطقة.
ان القاء القبض على حيدر ششو تشوبه الكثير من التساؤلات ، نشرت العديد منها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتبين هذا الامر اكثر في بيان رئاسة الاقليم، وكذلك بيان الكتلة الخضراء – الاتحاد الوطني الكوردستاني في برلمان كوردستان اذ يعتبر ششو واحدا من اعضاء المجلس المركزي لهذا الحزب، بخصوص اعتقال حيدر ششو.. ثم الجانب الاخر هو وجود اكثر من الف او اكثر او اقل مقاتل كانوا ولايزالوا يقاتلون تحت أمرته منذ الثالث من شهر آب الماضي والى الان في جبل سنجار وكان لهم دور كبير في الدفاع عن سنجار ولايزال.. ماذا لو اصبحوا عناصر سلبية وأدى ذلك الامر الى تفتت جبهة القتال هناك؟، أليس النتيجة ستكون لصالح داعش ؟؟ الاجابة صعبة على ارض الواقع، … كانت الرؤية ستكون اكثر واقعية وعلمية لو تم تدارك مشكلة رفض وجود قوى تنتمي للحشد الشعبي وهي القوة الرسمية الان في عموم العراق التي تقاتل الى جانب قوات الجيش والشرطة عصابات داعش في مختلف الجبهات، بهذه الطريقة، فالتعامل بحذر وشفافية مع قوة حماية جبل سنجار كانت ستكون لصالح القوة الاكبر وليس بالضد منها، لأنه في كل الاحيان فان قوة حماية سنجار الان ومستقبلا دون التنسيق والتعاون مع اقليم كوردستان لن يكتب لها النجاح، ثم الجانب الاهم ان هذه القوى هي من ابناء المنطقة اي البعد الاستراتيجي على الارض في الوقت الراهن لصالحهم. ألم يكن الافضل احتواء هذا العدد من المقاتلين على الارض لكي يكونوا جزءا من القوى التي تقوم بالسيطرة على جبهات القتال والعمل لكي تكون القوى التي تفرض الامن وتدافع عن الارض مستقبلا والقوة التي تساعد على بناء الاستقرار في المنطقة على أمد بعيد؟. اسئلة لابد ان تتوفر لها الاجابات فيما اذا تشعب النزاع وتعقد بعيدا عن رؤيته الواقعية.
اعتقال حيدر ششو الذي اصاب الشارع المحلي في سنجار وعلى جبل سنجار وفي جميع مناطق تواجد الايزيدية ليس بالصدمة فقط بل، بالتساؤلات الكبيرة من ان محاولات بناء الثقة للتحرك المستقبلي غير موجودة، تجاورها ان تأكيد الجميع على الحذر وشعورهم بالمسؤولية في عدم التحرك بما يؤدي الى تعقيد الوضع وتدهور العلاقة بين المكونات المختلفة في المنطقة التي قدمت صورة كبيرة من التماسك الاجتماعي فيما بين الجميع بعيدا عن أية انتماءات دينية او قومية او عرقية، لأنها ستصب في مصلحة العدو المشترك ( داعش ومن يواليه ويدعمه )، وتوجههم في عدم الوصول بالامر الى نزاع اثني – عرقي – ديني – حزبي، لأنه ليس في مصلحة اي طرف من هذه الاطراف، هو ايضا أمر مهم لابد ان تفكر حكومة الاقليم به، لأن أعداء الاقليم كثر بكثرة اطرافه السياسية، ويريدون ان يحدثوا شرخا في صفوفه بأي ثمن كان واية تصورات وسياسات ختاطئة قد تكون في مصلحتهم – اعداء الاقليم – ،،، والنتجية بمجملها تندرج في عدم اللجوء الى الخطط التي تأخذ بنظر الاعتبار التصورات المستقبلية لمرحلة ما بعد داعش، بل الالتجاء الى نفس اساليب التعامل مع الاطراف التي تختلف في النظرة مع حكومة اقليم كوردستان – الطرف الرئيسي الحزب الديمقراطي الكوردستاني في رؤيتها للمنطقة، لأن القوة التي اعتقلت ششو هي قوة حكومة الاقليم اولا واخيرا ولابد للاطراف الموجودة في الحكومة ان تتحرك سريعا لاحتواء الموقف وحل الاشكالية القائمة بما يعزز صفوف القوات الموجودة هناك على جبل سنجار وهي تقاتل داعش من اجل مستقبل الوطن وابناءه بمختلف مكوناته. وللحديث تفاصيل ستأتي مع تطور الحدث.