د. عباس علي* //// ان استخدام العنف والقوة عبر التاريخ أدى إلى سقوط الحضارات والويلات والدمار، ولم يكن في يوم من الايام وسيلة لنشر السعادة بين الانسان واخيه الانسان. وقد ادرك أصحاب الرسالات خطورة استخدام العنف في عدم ايصال رسائلهم وانعكاساتها السلبية، وفي المقابل وجدوا أهمية ثقاقة اللاعنف وتقبل الآخرين لرسالاتهم. وقد عانوا ما عانوا من اعدائهم شتى أنواع التعذيب والشتم حتى وصل الامر بهم إلى ترك موطنهم وبلدانهم. ولو رجعنا إلى النصوص الموجودة في الاديان السماوية نجد الكم الهائل من الآيات والادلة تحث أتباعها والمؤمنين على نبذ العنف وقبول الآخر, على سبيل المثال لا الحصر يقول الله سبحانه وتعإلى في القرآن الكريم لنبيه:((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) (آل عمران:159). وكما جاء في الانجيل بهذا الخصوص:((وأما أنا فاقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم)). وكما ورد ايضا في الانجيل: ((إذا جاع عدوك فاطعمه، وان عطش فاسقه)). وكماجاء في التوراة وفي الوصايا العشر من الكتاب المقدس:((لاتقتل، لاتشتهي بيت قريبك)).هذه النصوص تؤكد على ثقافة اللاعنف. يقول الامام على(رضي الله عنه):((أعقل الناس أعذرهم للناس)).
ان الحديث عن هذا الموضوع يحمل في طياته اموراً كثيرة وخصوصًا في الشرق الاوسط المليئ بالصراعات والعنف، ولهذا ليس من السهل محاولة اقناع هؤلاء الذين يمارسون العنف، حيث نجد مجموعة من العثرات والصعوبات التي ستواجه مهمتنا، وبعض الاحيان ان الوضع غير مؤات لنشر ثقافة اللاعنف، ومع هذا كله ينبغي على الذين يعملون في هذا المجال الاستمرار والثبات في محاولاتهم وعدم الشعور باليأس .
وقد اشار علماء الاجتماع وعلم النفس إلى حقيقة واقعية وانسانية, وهي أن الانسان لايستطيع العيش لوحده، يقول ابن خلدون بهذا الخصوص:((الانسان كائن اجتماعي بطبعه))، وقد نسب هذا القول إلى ابن القيم اي الانسان مدني بطبعه،لم نسمع في يوم من الايام أن يقال أن الانسان عسكري بطبعه أو ان الانسان بفطرته يحب الحرب والشر، صحيح ان علماء النفس تطرقوا إلى غريزة الشر الموجودة في كامن الانسان، يقول ابن خلدون ايضا:((ان الانسان فيه جانبا الخير والشر))، يمكننا نحن العمل معًا على جانب الخير واضعاف جانب الشر.كل هذا يوصلنا إلى نتجة مفادها: ان ممارسة العنف والالتجاء اليه ليس امرًا طبيعيًّا؛ بل توجد مجموعة من العوامل والاسباب وراء استخدام العنف سنشير اليها في هذا المقال.
يقول المهاتما غاندي (1869_1948) الذي عرف بنشر ثقافة اللاعنف بين الناس:((النصر الذي يحصل عليه بالعف يساوى الخسارة)). سواء كان النصر عسكريًّا أوسياسيًّا او اقتصاديًّا. وواقع حياتنا اليومية أثبت تلك الحقيقة.
المهاتما غاندي أستطاع الوقوف ضد الانجليز من خلال فلسفته المشهورة بـ(قوة الحق). أي مواجهة عدوك دون استخدام السلاح والعنف، واللاعنف ليس سلاح الضعفاء كما يظن البعض؛ بل سلاح الاقوياء، يقول المهاتما غرضي هو اظهار الظلم وتوعية الرأي العالم في مقابل الظلم الذي ستمارسه الانظمة.
ولأهمية هذه الثقافة اي ثقافة اللاعنف حددت الامم المتحدة عام (2007) يومًا وسمته اليوم العالمي للاعنف العالمي) وهو الثاني من اكتوبر في كل السنة وهو نفس اليوم الذي ولد فيه المهاتما غاندي، وكما هو معلوم أن اغتيال المهاتما غاندى من قبل رجل هندوسي كان بسبب دفاعه عن الاقلية المسلمة في الهند، وهذا اليوم هو لنشر ثقافة اللاعنف.
هناك عدة تعاريفات للاعنف منها تعريف براند رسل: سلوك عقلاني لغرض الابتعاد عن الصراعات. أي أن مصدر اللاعنف من العقلانية والابتعاد عن الصراعات مع جهات معينة لغرض اشاعة السلم والتعايش وقبول واقناع الآخرين ان الحروب والصراعات ستؤدي إلى الدمار وهلاك الشعوب والمجتمعات.
واللاعنف يعني عدم استخدام القوة, سواء كانت جسدية او معنوية لغرض التغيير. أي عدم الالتجاء إلى القوة للتغيير من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
هناك طرق ووسائل كثيرة يمكننا الاعتماد عليها للحصول على حقوقنا المشروعة مثل: المظاهرات السلمية أو العصيان المدني، أو الاعتصام والحصار، أو العصيان المدني العام.
مما يوسف له ان العنف عمّ معظم المجتمعات الانسانية على الصعيدين الدولي والداخلي والمجتمعي والفردي. ان الشعوب العربية والاسلامية ايضًا يعاني من العنف. ولو أخذنا نماذج من العنف على مستوى المؤسسات الحكومية وخصوصًا التعليمية والتربوية،حيث نجد في المدارس والجامعات ممارسة ثقافة العنف وهذه الثفافة مغروسة في اذهاننا وموجودة في مادة طرائق التدريس، نحن تعودنا منذ الصغر ان الاستاذ والمعلم الناجح هو الذي يمارس العنف في الصف والقاعة ويطبق النظام العسكري في الصف, لا احد يتكلم ولايشارك في الدرس، افهمونا لا يجوز للمعلم ان يبتسم بوجه الطلبة ولايروي قصص ونكات مضحكة، لأنه يستغل من قبل الطلبة. حيث لانجد ايجاد ارضية مرنة وتعويد الطالب على تقبل مثل هذا الجو في الصف، في المراحل الابتدائية وصولاً إلى الجامعة. ولا توظف ايضًا المواد التي تدرس من اجل ثقافة اللاعنف, معظم المواد اللغوية والدينية والاجتماعية نظرية لاعلاقة لها بالوااقع. هنا اذكر مثالاً في مجال اللغة وابسط تعريف للغة: هي وسيلة أو أداة للتفاهم، حيث نجد ان المعلمين والمدرسين والاساتذة يمرون مر الكرام على هذا التعريف, في حين مثل هذه التعريفات تحتاج إلى عدة محاضرات, فمن خلال لغة الحوار في كافة المستويات نستطيع حل مشكلاتنا ونطور ثقافة اللاعنف، وقد اشار معظم الشعراء إلى قوة سلاح اللسان وخاف الملوك والرؤساء من حدة لسانهم ويمكن الاستفادة من اللسان للحوار ونشر ثقافة المحبة وأخذ الحقوق من المغتصبين.
واحيانًا نجد في الدوائر الرسمية يلجأ الموظفون فيها إلى تنمية ثقافة العنف ولاسيما الموجودين في الاستعلامات والسيطرات والواجهات، معظمهم يحتاجون إلى المشاركة في دورات الاتكيت واللاعنف وكيف يستقبلون الزائرين وباي لغة يخاطبونهم اي لغة الورود والمحبة وخصوصًا في هذا العصر, معظم الناس يعانون من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولها آثار وانعكاسات على نفسية الزائرين. ولهذا ينبغي اختيار اناس انسب لمثل هذه المهمة، مع الاسف في بعض الدوائر يضعون الموظف الغليظ والحاقد على الناس في الواجهة. ينبغي الاخذ بالحسبان نشر ثقافة اللاعنف في المدارس والجامعات والدوائر والعوائل.
هناك دافع رئيس لنشر ثقافة العنف في المجتمعات الاسلامية والشرقية وهو الاحزاب السياسية مع ممارستهم للعنف مع اعضائهم ومجتمعاتهم, فقد سخروا أيضا جل جهودهم الاعلامية من اجل ثقافة العنف وذلك من خلال القنوات الاعلامية والشبكات التواصل الاجتماعي التابعة لهم، لم تعمل تلك الاحزاب في مسيرتها التاريخية الطويلة على نشر ثقافة اللاعنف، نجد في اجتماعاتهم بدل الحديث عن المشاريع المستقبلية وخدمة البلاد يشجعون اعضاءهم على الحقد وعدم قبول الاحزاب الاخرى وكتابة التقارير والتشهير والمراقبة، على الاحزاب جميعًا مراجعة انفسهم.
في بعض الاحيان تكون منظمات المجتمع المدني ايضًا سببًا في نشر ثقافة العنف، يخصصون معظم نشاطاتهم للحديث عن العنف والتطرف, جل جهودهم منصبة على اسباب العنف قلما يشيرون إلى كيفية المعالجة ووضع الاصبع على موضع الجرح, ولايعقدون مؤتمرات وندوات وورش عمل لاجل نشر ثقافة اللاعنف.
البيئة المحيطة ايضا عبر التاريخ كانت سببًا في نشر ثقافة العنف, حيث عانت المنطقة العربية والاسلامية في خلال القرون الماضية من الحروب والويلات والاحتلال وعدم الاستقرار, وهذه المآسي والنكبات والأزمات باقية إلى يومنا هذا.
____________________________
من نتاجات دورة مواجهة حطابات الكراهية – مشروع منظمة IMOK
* جامعة صلاح الدين – اربيل