خضر دوملي
نشرت الاخبار عن اختطاف شخصين في كركوك في الاسبوع الاخير من اغسطس وبعد ساعات أكتشفت جثة احدهم فيما لايزال مصير الثاني مجهولا، هذا السيناريو واحدة من سيناريوهات اختفاء الاشخاص باستمرار في العراق في وقت لايزال مصير الالاف مجهولا منذ احداث العنف الطائفي بعد 2003او الاعداد الهائلة في حرب داعش او عمليات التحرير للمناطق التي سيطرت عليها تنظيم داعش بعد 2014 اختفاء مصير الالاف في عمليات الانفال.
العراقيون تعودوا على عمليات الاختفاء القسري، في وقت لاتوجد احصائيات دقيقة ولاجهود، لاحكومية ولامدنية ولاثقافة قانونية للبحث عن مصير المفقودين ولامبادرات للعمل على هذه القضية التي تربك المشهد بجانبيه الامني والسياسي بسبب ارتباط عمليات الاختطاف بالانتماءات العقائدية او ذات الصلة بالجماعات الارهابية او عمليات التصفية من قبل الجماعات المسلحة .
تستخدم الجماعات المسلحة الاختفاء القسري كجزء من اساليب بث الرعب داخل المجتمع ولفرض السطوة السياسية او للسيطرة الامنية، فالوضع الامني الهش لايشير الى توقف عمليات الاختفاء القسري لأنه لاتزال هناك جماعات مسلحة تفرض اساليب تعاملها مع المعارضين باساليبها المختلفة .
الاختفاء القسري الذي بات جزء من سياق الحروب والنزاعات في العراق ناتج عن غياب الأمن اوضعف الاجهزة والقوى الامنية وعدم سيطرة جهاز امني واحد على الوضع في العديد من المناطق ولذلك تظهر وتختفي عمليات الاختفاء القسري بحسب سيطرة القوى الامنية الرسمية على الوضع .
ففي وقت لازال مصير عشرات الالاف مجهولا منذ الحرب العراقية الايرانية او بعدها عمليات الاختفاء القسري التي رافقت عمليات الانفال ولم تتخذ مؤسسات الدولة العراقية اية اجراءات للعمل على هذا الملف بشكل جدي الذي يعد واحدا من أسس تحقيق العدالة وانصالف الضحايا – جاءت الاعداد الهائلة من الذين اختفوا في عمليات القتل الطائفي التي استمرت سنوات عدة ، وبقي مصير المئات مجهولا، ليكتمل المشهد بما قام بتنظيم داعش من عمليات الخطف والأخفاء القسري ضد مختلف مكونات الشعب العراقي وخاصة تلك العمليات التي استهدفت الايزيدية والمسيحيين وبقية الاقليات الدينية الاخرى و المجتمعات المعارضة لها – لتاتي عمليات التحرير ومارافقها من معارك و مواجهات لتضيف للمشهد سلسلة اخرى من عمليات الاختفاء القسري، الحديث عنه ليست بالمسألة الهينة لأختفاء الادلة والصور ولعدم وجود أية مؤشرات ووثائق عن مصير المئات ، لا بل يعتقد البعض انها بالالاف .
يقول جان جيروم كازابيانكا، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق انه :”غالبًا ما يُهمل المفقودون وتُنسى معاناة عوائلهم، واصبح هذا الأمر بمثابة قصة لا نهاية لها. تترك الصدمة الناتجة عن الفقدان الغامض جروحًا عميقة لا تندمل والتي قد تمنع العائلات من المضي قدمًا في حياتها وتعيق جهود المصالحة”
وتضيف اللجنة الدولية للصليب الاحمر في العراق في بيانها بهذه المناسبة في 30 اغسطس 2022 أنه ((في هذا العام، تلقت اللجنة الدولية 769 طلبًا للبحث عن مفقودين وهذا الأمر يزيد من الضغط الهائل للطلبات التي نستلمها كل عام. نحن ندرك أن هذه الأرقام مجرد غيض من فيض ولا تمثل الواقع الحقيقي لهذه القضية ))
تقول الامم المتحدة في ادبياتها بهذه المناسبة ” لقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكراً على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم. ” وتضيف في اعلانها بمناسبة هذا اليوم أن : ما يثير القلق بوجه خاص:
- استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الختفاء القسري؛
- واستغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها؛
- واستمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع..
ولن موضوع الاختفاء القسري ليس مرتبطا ببلد بعينه توضح الامم المتحدة بأنه : اختفى مئات الآلاف في اثناء النزاعات أو فترات الاضطهاد في ما لا يقل عن 85 بلدا في كل أرجاء العالم.
ولأن موضوع الاختفاء القسري دائما ما يأخذ أمتدادات سياسية او عرقية ومذهبية تعاني أسر المختفين كما يعاني أصدقاؤهم من غم نفسي بطيء، لعدم علمهم إذا كان الشخص الضحية لا يزال على قيد الحياة، وإذا كان الأمر كذلك، فأين يحتجز، وما هي ظروف احتجازه، وما هي حالته الصحية. كما أنهم يدركون أنهم مهددون هم كذلك، وأنهم قد يلقون المصير نفسه، وأن البحث عن الحقيقة قد يعرضهم لمزيد من الأخطار. بحسب ما تشير عليه معلومات نشرتها الامم المتحدة في موقعها بهذه المناسبة . وتضيف : تتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء. فالمرأة هي التي تتصدر الكفاح في معظم الأحيان لإيجاد حل لقضية اختفاء أفراد من أسرتها. وقد تتعرض المرأة، بقيامها بذلك، للمضايقات والاضطهاد والانتقام. وعندما تقع المرأة بنفسها ضحية الاختفاء، فإنها تصبح معرضة بشكل خاص للعنف الجنسي ولغيره من أشكال العنف.
ان عمليات الاختفاء القسري التي تشهدها و شهدتها العراق تركت اثرا كبيرا على المجتمعات وشكل منعطفا خطيرا خاصة تجاه الايزيدية الذي يشعروا انهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة لأنه لاتوجد جهود حكومية جدية في البحث وكشف مصير الالاف الذين أختطفهم تنظيم داعش منذ 2014 رغم الوعود الكثيرة واللجان العديدة التي أعلنت مختلف المؤسسات الحكومية عن تشكيلها بهذا الخصوص – ولم ينتهي هذا الملف لتضاف اليه ملفات اختفاء نشطاء تشرين هي الاخرى باتت تثير قلق ذوي الضحايا من ان يختفوا في سراب ودهاليز الجماعات المسلحة .
فوفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند: ‘‘القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون’’ وتعتبر العملية واحدة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان لأنه أثناء عملية الاختفاء، يمكن أن تنتهك الحقوق المدنية أو السياسية التالية:
- حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية؛ والحق في الحرية والأمن على شخصه؛
- الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ وفي محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية؛
- الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي؛ والحق في الهوية؛
- الحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض؛ والحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء.
وينتهك الاختفاء القسري أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء:
- الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة؛ والحق في مستوى معيشي مناسب؛
- الحق في الصحة؛ والحق في التعليم.
يواجه هذا الملف تحديات كثيرة في العراق فاضافة الى قلة البرامج التي تخص اليات التعامل مع ملفات المفقودين او المغيبين قسرا بسبب تداخل هذه الملفات مع بعضها وتعمد اقحام ملف المختفين مع المغيبين او المختطفين، ولكن في النهاية ستستمر الدعوات والمطالبات بالكشف عن مصير المختفين قسريا وستنتظر الأمهات بصبر لمعرفة مصير ابنائها وبناتها ، لكن الماساة الاكبر هي ان مصير الغالبية مجهول وخاصة أولئك الذين يعتبرون ابرياء ولم يدخلوا في مواجهة مسلحة او مواجهة امنية من أحد فألم ذويهم اشد ومعاناتهم اكبر، ينتظرون من ينصفهم ويحقق العدالة بشأن ذويهم وكشف مصيرهم .