أعداد خضر دوملي
تطورت أسس وفنون المقابلة الصحفية في الاونة الاخيرة كثيرا وذلك بعد التطور التكنولوجي و توظيف السوشيال ميديا في اجراء المقابلات وبات هناك حاجة ملحة في الاهتمام بالمقابلة بان تفسح المجال والفرصة في تمرير المعلومات الضللة ، بأعتبار ان المقابلة باتت فنا من الفنون التي تشهد التطور المستمر وتواكب التطورات التقنية ما يتطلب ان يطور الصحفيين مهاراتهم بما تواكب تلك التطورات في عالم السوشيال ميديا وادواتها واهتمام الناس بنشر مقاطع المقابلات على هذه الوسائل.
ولذلك يتساءل الكثير من الصحفيين حول أفضل الأُسس التي على ضوئها يمكن تنفيذ مقابلة ناجحة ومثمرة تلائم وسيلة النشر / موقع اخباري – منصة صحفية – منصات السوشيال ميديا المختلفة، وما هي السبل المثلى لتحقيق هذا الهدف وذلك في سبيل الوصول الى وتقديم المعلومات الحقيقية حول القضايا والمواضيع المختلفة التي تخص شؤون الناس ومجريات حياتهم من المصادر الموثوقة او الشخصيات التي تقدم المعلومات بطريقة خالية من التشوش او التضليل في المعلومة .
عليه لابد ان نعرف ان تحقيق هذه النوعية من المقابلات تتطلب بعض الامور الاساسية التي يتطلب الاخذ بها في سبيل تقديم / تنفيذ المقابلة :-
اولا – يجب ان نعرف ان المقابلات هي واحدة من ابرز وافضل الفنون الصحفية والتي من خلالها او أعتمادها كوسيلة للوصول والحصول على المعلومات، وليست محادثة اعتيادية او حوار يشبه الإستجواب. … يتحقق هذا الامر في المقابلة عندما تكون ودية ونقاشية هادفة وليست بطريقة الاستجواب التي يتبعها بعض الصحفيين و التي تعتبر بمثابة محكمة او اسئلة لاتؤدي الى الحصول الى المعلومة بقدر استفزاز الضيف …. بعض الصحفيين يقومون باجراء المقابلات مع الشخصيات بهدف تشويه صورتها وليس معرفة توجهاتها او تعليقها على بعض الاراء والمواضيع التي تخص مسؤولياته.
ثانيا – ترتكز المقابلة التي يتم الاعداد لها بشكل جيد على اختيار الاشخاص الجيدين الذين لديهم المعلومة اولا – ليس شرطا ان يكون المسؤول الاول في الدائرة هو الشخص المعني فقد يكون مسؤول احد الاقسام هو الذي لديه المعلومات الموثوقة ولديه القدرة على تقديمها بالطريقة الصحيحة .
ثالثا – يتم بناء المقابلة على الاسئلة – التساؤلات التي تنقسم بين تساؤلات في سبيل معرفة الحقائق وتساؤلات في سبيل التحقق من المعلومات وصدقيتها ، ولذلك تتوارد الى الاذهان ان الوصول الى المعلومة وحدها ليست امرا كافيا، بل التحقق منها ومن صدقيتها حتى يتم سد الباب امام نشر معلومات فيها التضليل او تفتقر الى المصداقية والموضوعية .
رابعا – المقابلة عملية تكاملية من اربعة اقسام الاعداد الجيد – اختيار الشخص الجيد – التنفيذ الجيد والمتابعة والتحقق من المعلومات مجددا بعد المقابلة عبر متابعة ردود الفعل او اشخاص وجهات اخرى تريد التعليق على ما ورد فيها من معلومات – احيانا تخص جهات اخرى تتطلب مقابلة اخرى وهذا يعني ان دورة المقابلة مستمرة مع دورة انتشار / نشر المعلومة .
خامسا – أضفت التكنولوجيا – وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الخبرية السريعة – على المقابلات اساسيات حديثة تتطلب وضع أسئلة محددة – قصيرة – مركزة – واضحة – هادفة لاتتجاوز من 3 الى 5 اسئلة للمقابلات التي تخص الشؤون الخبرية ولاتتعدى محورين او ثلاثة للمقابلات التي تهدف الى التساؤل من شخص يمثل جهة لتقديم المعلومة حول حدث معين يختص مهامها او توجهاتها او مسؤوليته المهنية.
سادسا – تعتبر عملية المقابلة عملية فنية بحتة تتطلب ما يلي :
- البحث و التقصي عن المعلومات التي تخص الموضوع بشكل جيد.
- البحث و التقصي عن الشخصية التي سيتم اجراء المقابلة معها ومدى تخصصها في الموضوع .
- التأكد من مقابلات سابقة اجريت حول الموضوع وما الذي قدمته وما الذي لم تستطع تقديمه .
- التأكد من ان الاسئلة مترابطة ومتناسقة وتوصل الى الهدف المنشود من المقابلة
- التأكد من ان الوقت مناسب لأجراء المقابلة والوضع الذي يخص تطور الحدث يساعد على اعطاء – الحصول على المعلومة ( بعض القضايا و تطويرها تشكل عائقا في توقيت معين من اعطاء الاشخاص معلومات حقيقية عنها ) .
اذا كيف يتم تنفيذ مقابلة ناجة ، لابد من التفكير بهذه الخطوات لانها تبين خارطة عمل واضحة لأعداد وتقديم مقابلة مثمرة – ضرورة أتباع الخطوات التالية :-
= الاعداد الجيد هو الاساس في المقابلة الناجحة :-
قبل أن يقوم الصحفي بإجراء المقابلة، عليه التحضير جيدًا للموضوع الذي سيقوم بإجراء المقابلة حوله ، بالبحث و القراءة والإطلاع على المقابلات والتقارير السابقة حول الموضوع .
= التواصل مع مصادر متنوّعة – شخصيات لها علاقة بالموضوع يمكن ان تزوده باسئلة او خيوط لايفكر بها الصحفي في تلك اللحظة .
= الاعداد الجيد للاسئلة ومراجعتها في المرحلة التمهيديّة للمقابلة لأنها تعتبر ركيزة أساسية في ان الصحفي قام بالاعداد الجيد قبل التحرك لتنفيذ المقابلة.
= أبراز الجدية والاهتمام والحرص على الاعداد الجيد مهما كانت المقابلة بسيطة والموضوع محدد – المقبلة جسر لبناء الثقة مع الاشخاص و المصادر لاحقا . …تقدم صحفية مشهورة نصيحة بهذا الخصوص بالقول أن : “التحضير الجيد يُساعد الصحفيين في تحديد الزاوية الأساسية وتضييق نطاق المقابلة وهدفها بشكل واضح”، وأضافت: “قبل المباشرة بالمقابلة، على الصحفي أن يُدرك ما يريد الحصول عليه من المقابلة”.
= تتفق العديد من المصادر والصحفيين المحترفين أنّ : المعرفة الواسعة والإطلاع المركز على الموضوع يساعدان كثيرًا في اكتشاف إذا ما كان المحاور يقول الحقيقة أم لا وعندها ستكون اول خطة لسد الباب امام المعلومات المضللة او غير الدقيقة “.
اثناء المقابلة :
لايأتي نجاح المقابلة فقط من الاعداد الجيد بل ايضا الاهتمام بسير المقابلة والاسس التي يجب أتباعها والتي يمكن تلخيصها بـ التعريف السليم بشخصك كصحفي و الجهة التي تمثلها – التقديم تقديم نفسك بصورة تخلق الانتباه لدى الضيف – الهدف من المقابلة / ما تريد الوصول اليه مع الشخص الذي تجري المقابلة معه / معها – الوقت المخصص للمقابلة حتى يهيء الضيف نفسه – المحاور الرئيسية التي سيتم التركيز عليها في المقابلة .. يتطلب الاهتمام بهذه الامور جيدا لانها مفتاح المقابلة الناجحة وهي الامور التي كلما تكون واضحة ومكشوفة تعطي مساحة اكبر لحرية الكلام و تجنب الضيف من التهرب و اعطاء معلومات غير دقيقة .
يتفق الكثير من المختصين ان تنفيذ المقبالة الناجحة يأتي – تأتي من الاعداد الجيد وتحويل ما تم الاعداد له الى التنفيذ / تنفيذ المقابلة لذلك يتطلب الدقة – المتابعة والاستنتاج وسرعة البديهة و التواصل الفعال والانصات الجيد اثناء المقابلة ومتابعة كل معلومة بالطريقة الصحيحة.
هذه المسارات كلها مرة واحدة تتطلب الكثير من الشرح ولكن لكل واحدة منها موقعها في المقابلة والتي تتمثل بـ
= طرح الاسئلة بانتظام ومتابعة الاجوبة واستنتاج اسئلة اخرى .
= سرعة البديهة في خلق فكرة جديدة عندما يتطرق الضيف الى معلومة لم تكن تتوقعها جاءت في سياق الحديث.
= التواصل الفعال بحيث يشعر الضيف انك مهتم بها / به ويرى من حركة جسمك مدى اهتمامك بكلامه ومن خلال متابعة الاسئلة .
= الانصات الجيد و الذي يتمثل في التأكيد على بعض العبارات والجمل لكي يقوم بأعطاء المزيد من المعلومات عنها من خلال طلب الصحفي ايضا- اضافة او شرح للمعلومة .
= ايماءات الجسم وحدها لاتكفي …. بل يتطلب التساؤل و طلب المزيد حتى تنقل ما يتم التأكد منه بأنها المعلومات الدقيقة او التي لايشوبها التمويه والتضليل ..
تقول إليزابيث دريفيون التي تستكشف أحاديث ومواقف المحاورين ان يتطلب ان نذكر الضيف بما قاله سابقا عن الموضوع حتى يستطيع ترتيب سلسلة افكاره “هذا ما قلته في العام 2014، فماذا تغير ؟”.
= اثناء المقبلة تعتبر مسألة طرح الأسئلة الصحيحة والواضحة – أسئلة مركزة وليست أسئلة من ذي شقين او اسئلة فيها مقدمة طويلة او اسئلة فيها توضيح قبل السؤال وتوضيح بعد السؤال من قبل الصحفي – هذه النوعية من الاسئلة تشوش وتشتت ذهن الضيف ولابد ان يتم صياغة الاسئلة بحيث لايوجد فيها الكثير من الاسئلة التي تبدأ بـ هل – بل الاسئلة المفتوحة التي تساعد على الاستجابة المباشرة معها من قبل الضيف …. تقول كلير مينيال، كبيرة مراسلي صحيفة “لو بوان” الفرنسية: “أجريت مقابلات مع 25 شخصًا من أجل التحضير لملف صحفي حول كامالا هاريس – نائب الرئيس الامريكي جو بايدن الحالي – ، وتحدّثت إلى شخص عملَ في حملتها الأولى عام 2003، وطلبت منه معلومات حول تلك الحملة وكيف كانت هاريس، ولم أركّز على حدث انتخابها”.
= المقابلة الجيدة تظهر عندما يكون الصحفي ملما بالموضوع ولايسمح بمرور المعلومة دون التحقق منها – عالم اليوم مليء بالمعلومات المفبركة والمضللة التي تهدف الى تضليل الراي العام وتشكل اساسا للكثير من الصراعات والمناوشات الكلامية بين مختلف الاطراف التي تخص القضية محور المقابلة .
قبل و اثناء المقابلة يجب ان تتوضح للضيف لماذا تقوم بإجراء مقابلة معها / معه ، وكيف يمكن أن يساهم / تساهم بتسليط الضوء على موضوعي بطريقة مميزة ومختلفة …. بهذا الخصوص على الصحفي الذي يجري المقابلة أن يجعل الأشخاص الذين يقابلهم مرتاحين، وأن تتم التهيئة النفسية او الجو المرح لأنهما يساهمان في تبسيط الاشياء و سهولة الاستجابة.
التكيّف مع التقنيات الجديدة –
ولأن جميع المقابلات او اغلبها تنقل مباشرة او بعد حين تنتقل الى وسائل التواصل الاجتماعي – بعضها تعرض كاملة وبعضها تقطع على شكل مقاطع وعلى شكل محاور يتطلب من الصحفي ان يكون دقيقا في متابعة سير المقابلة حتى عندما تظهر هذه المقابلات على صفحات السوشيال ميديا تنقل المقاطع – كل مقطع جزء واضح من القضية محور / موضوع المقابلة .
البناء على اساس ان المقابلة ستنقل عبر الوسائط الصحفيّة السمعية والبصرية / السوشيال ميديا يعدّ أمرًا مفيدًا، ولا بدّ من تهدئة قلق الأشخاص الذين يحاورهم الصحفي بما يخصّ التسجيل والتأكيد عليهم ان يكونوا واضحين ومباشرين في الاجابة على الاسئلة حتى عندما تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي لاتسمح ان يتم تمرير معلومات مضللة عبرها .
هذا الامر يتطلب بناء الثقة مع الضيف في سبيل ان يشعر بالراحة في تقديم المعلومات ويوضحها بحيث تكون مفهومة لعامة الناس لانه عندما تنتقل الى صفحات السوشيال ميديا يعني انها متاحة للجميع .
ارشادات عامة بمقابلات مثمرة :-
يقدم المختصين في اجراء المقابلات مجموعة من الارشادات المهمة التي تعطي الحيوية والقيمة للمقابلة و تجعلها قابلة للمتابعة حتى وان مضت سنة على نشرها لاول مرة … لذلك لابد من الاهتمام بما يلي :-
اولا – هناك قواعد بسيطة على الصحفي الالتزام بها اثناء الاعداد واجراء المقابلة وخاصة الالتزام بالقيم المهنية والاخلاقيات .
ثانيا – كل صحفي يتبع اسلوبه الخاص في المقابلة على شرط الالتزام بوحدة الموضوع وتوضيح الهدف منه – الاستفزاز لايقدم فرصة جديدة للمقابلة ، ولايساهم في الوصول الى المعلومات الصحيحة – ما يعني توفر الفرصة لنشر المعلومات غير الدقيقة / كاذبة .
ثالثا – العناية والدقة في اختيار الأسئلة ان تكون قصيرة والتأكيد على أن يتحدّث الصحفي أقلّ من الشخص الذي تجري / يجري المقابلة معها / معه.
رابعا – التركيز اثناء المقابلة على تسلسل الاسئلة ان تكون مترابطة مع بعضها و ضمن الموضوع ويتحقق هذا الامر من خلال طرح أسئلة مفتوحة وأخرى مغلقة أن تطلب الامر التأكيد .
خامسا – يجب على الصحفي الذي يجري المقابلة ان يعرف ان هناك هدف من اجراء المقابلة وهناك هدف محدد من كلّ سؤال. يطرحه // ما يعني الاهتمام بطريقة طرح السؤال بما يساعد على تحقيق الهدف منها في تقديم المعلومة التي يشعر المتلقي فعلا انه كان ينتظرها وبتلك الطريق .
سادسا – لاتقدم اجوبة ضمنية مع الاسئلة لان ذلك سيدخل في باب المقابلة التوجيهية وتفرغ المقابلة من مضمونها الصريح وسيستهل الضيف المقابلة ولايذل جهدا في البحث غن افضل المعلومات لكي يقدمها.
سابعا – اتفق على ما سيتم نشره وما سيتم الاعتماد عليه كمعلومات تستخدم كـ باككراوند خلفية // بخصوص بعض المواضيع الحساسة حتى لاتخلق مشكلة .
ثامنا – الانتباه الى لغة المقابلة ان تكون واضحة ومفهومة ومبسطة او ما تسمى لغة الشارع المنتظمة – الانتباه الى اللغة عند اجراء المقابلة مع المختصين العلميين و ما يقدمونه من مصطلحات تتطلب التوضيح لكي تكون مفهومة للعامة .
تاسعا – تذكر ان كل ما تقدمه سيتحول الى وسائل التواصل الاجتماعي ويجب ان تكون طريقة صياغة الاسئلة وسير المقابلة واضحة ومفهومة في حال تم بتر اجزاء منها و اضافة اجزاء اليها – هناك من ينتظر مقابلة اشخاص لخلق الارباك بفبركة معلومات وصور تشوه الى النص الاصلي – لأن من يبحث عن طريقة لخلق التضليل ينتظر المقابلات لكي يتم التلاعب بها بمختلف الاشكال والصور..
عاشرا – التأكيد على مراجعة كل الامور المحاور – الاسئلة – الارقام – المفاهيم والمصطلحات الوثائق والمصادر التي تم الاستناد اليها قبل نشر وبث المقابلة .. على الصحفي ان يقضي/ يبذل جهدا اضافيا في التحقق من كل فكرة او معلومة قبل النشر لأنها تكون قد ساعدت في الوصل الى المعلومات الصحيحة وتقديم المعلومات والحقائق بطريقة صحيحة .
حادي عشر – راجع وتابع ما تخلقه المقابلة من ردود فعل، وما ينشر حولها من تعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي ، لانها تخلق الفرصة لمقابلة اخرى ومواضيع اخرى على الصحفي متابعتها .
ثاني عشر – الاهتمام بتقديم المقابلة في النشرة الخبرية – برنامج محدد وكيفية اعداد مقدمة تشجيعية تلفت الانتباه اليها .
ثالث عشر – انت صحفي اولا واخيرا ومسؤوليتك نقل الحقائق للناس لاتخفي الحقائق المهمة وان لم تستطع تقديمها مع المقابلة اصنع عنها تقارير تقصي الحقائق او نقلها لزملاء اخرين – الحقائق عندما تكشف يشعر الناس براحة لانهم يعرفون الحقائق ومن هنا تأتي اهمية المقابلات واهميتها في سد الباب امام انتشار المعلومات المضللة والاخبار الكاذبة والمفبركة .
خضر دوملي باحث ومدرب ومستشار أعلامي – khidher.domle@gmail.com
= تم الاستفادة من ( تعرّفوا إلى أُسس المقابلة الصحفية الناجحة ) الذي نشر في موقع المركز الدولي للصحفيين – IJnet