خضر دوملي * /////
تنتشر مبادرات بناء التعايش في البلدان والمجتمعات التي تشهد أعمالا طائفية أو حروب ونزاعات وانتهاكات على أساس الانتماءات الدينية والعقائدية والقومية مع العديد من الافكار التي ترتبط بشكل مباشر بقيم ومبادىء حقوق الانسان أو إستنادا الى المبادىء والنصوص والسرديات الثقافية / الدينية في سبيل ردم الفجوة القائمة المبنية على تراجع قيم التعايش بعد الحروب والنزاعات والانتهاكات، سواء التي تمارسها السلطة او جماعية ضد أخرى.
واضح انه في الكثير من البلدان تتعرض مسارات التعايش الى التراجع بسبب الانتهاكات التي تحصل ضد الفئات المجتمعية المختلفة، وتكون سببا في انتشار خطابات الكراهية التحريضية التي تستهدف المكونات المجتمعية المختلفة وتسيء اليها، وتنشر صورا نمطية ومعلومات مضللة ، وخاصة الخطابات الدينية والعقائدية والقومية والمذهبية وحتى السياسية المختلفة، بسبب ضعف ثقافة قبول الاخر وعدم الاهتمام بتعزيز التنوع وحمايته مجتمعات أوفي التشريعات، وإجراءات وممارسات المؤسسات الرسمية السلبية، وضعف ثقافة قبول الاخر وعدم او ضعف الاهتمام بمفاهيم التعايش في مناهج التربية، أضافة الى ما تلعبه الحركات المتطرفة في نشر الافكار التحريضية ضد الاقليات الدينية والقومية والمذهبية وحتى الفكرية التحررية والمدنية او حتى وفق الانتماءات السياسية والعشائرية، التي تؤدي الى ضعف التعايش، وعلى ضوءها تتراجع قيم السلام والاستقرار الاجتماعي، وتتعزز بدلا منها صور نمطية تستند الى مفاهم وافكار لاتؤمن بالاخر المختلف، ويتم الترويج لها بشكل واسع وفق أجندات مختلفة احيانا لأستهداف الاخر وتسقيطه وإبعاده من المشهد العام، او الترويج له للرحيل والهجرة، او تقليل شأنه او أستهداف هويته وخصوصياته بشكل متعمد احيانا او وفق منهج الترويج بأن يعيش في خوف وقلق تدريجيا لكي يصبح المختلف / مهما كانت هويته و أعتقاده / منبوذا ويقرر الرحيل .
على ضوء هذه الصور الفوضوية، التي كثيرا ما تنتشر أما جهلا بالاخر او ضعف المعرفة بقيم ومبادىء حقوق الانسان او نسيان ان التعايش قيمة انسانية عالية تدعو لها جميع الاديان والمذاهب والثقافات المختلفة، وأن من يعمل خلافا لهذه القيم فأنه يسيء الى الانتماء الخاص به قبل ان يسيء لأنتماءات الاخرين .
أضف على ذلك فأن البعض يتردد في القيام بمبادرات العمل على تعزيز ثقافة التعايش أما خوفا من أن تحتسب أية مبادرة خاصة بالتعايش بأنها خروج من مسار المجموعة / التحلق خارج السرب / و لذلك فأن الكثيرين يخافون دعم مبادرات التعايش، بسبب أعتبار أن نشر هذه الافكار بأعتبارها مساسا بمكانة أصحاب الافكار الرافضة للتعايش – ممثلين عنه أويعتز بهم بأعتبارهم قدوة دينين في الغالب – تلك الافكار التي تدعو الى استهداف الاقليات القومية او الدينية و الجماعات الصغيرة الهشة، أو أنه يتحفظ على ذلك بأنه ليس هو المسؤول لبناء اسس التعايش! او ثالثا يجامل فقط لأظهار صورة غير حقيقة لما يحتفظ به في داخله.. في هذه الحالات ايضا فأنه يسيء الى المبادىء التي يعتز بها…
من هنا فان التفكير بوضع قاعدة لثقافة تعايش تًقبل الاخر المختلف، وتدعو الى تعزيز قيم أحترام التنوع والتسامح الديني والسلم الاهلي ليست فقط مسؤولية مؤسسات الدولة، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من العائلة وتنتهي بالمدرسة والمعلم والموظف المسؤول في مكتب صغير وصولا الى مسؤول قيادي. فعندما ينشر المعلم ثقافة السلام والتسامح و قبول الاخر بعيدا عن القيم الدينية التي ينتمي أليها ويسندها الى القيم المجتمعية وقيم مبادىء حقوق الانسان تكون مساحة بناء جسور التواصل والمعرفة بالاخر وقبوله اسهل بكثير.. عندما تكون الخطابات الدينية الداعية الى التفكير بالاخر على ضوء القيم الانسانية التي تدعو لها الاديان جميعا، يكون من السهل بناء المشتركات بين المجتمعات المختلفة، وعندما يتولي أي شخص مسوؤلية في أية مؤسسة وينظر الى الجميع بعين أنسانية قبل عباءة العقيدة والمذهب والانتماء، يكون قد ساهم في ترجمة سياسة الدولة والبلد والحكومة التي تدعو الى تعزيز قيم التعايش أمرا واقعا، وعندما تتعامل في الشارع مع أي فرد مهما كانت كنيته أو هويته او خصوصيته بالتفكير اولا بأنه انسان، فحينذاك تكون قد ساهمت ببناء أولى اسس المواطنة السليمة… فليتصور كل من ينشر خطابا تحريضيا أو يدعو له – أو يهمل ويهمش شخص أو مجتمعا بتعمد أو دونه، أو يعلو من شأن ثقافة أو تراث ديني أو قومي أو مذهبي فأنه ليس يخالف القيم الانسانية التي يحملها، بل يضع أنسانيته في ميزان التخلف والجهل، عليه فان تحقيق التعايش أمر – نعم أمر مطلوب من الجميع حمايته وتتطلب سياسات / أجراءات فاعلة لحماية التنوع والمواطنة على ضوء قيم حقوق الانسان، لكون معادلة أن تعزيز قيم التعايش يعني تعزيز مبادىء حقوق الانسان التي تتمثل في ـ العدل – المساوة وأحترام الثقافات المختلفة ودعم اسس بناء المواطنة الفاعلة وضمان الحقوق والحريات والهويات والخصوصيات لجميع المجتمعات بنفس الاهتمام والرعاية .
*نشر هذا المقال في العدد الاول من مجلة صوت شيخان – گوڤارا دەنگێ شێخان کانون الاول 2025..
*خضر دوملي – باحث ومدرب في مجال حل النزاعات وبناء السلام والاعلام وقضايا الاقليات والاديان ومشرف مركز دراسات السلام وحل النزاعات في جامعة دهوك …. khidher.domle@gmail.com