خضر دوملي /
يمكن القول ان ثقافة التنوع وفقا للمبادىء التي تتجه اليه او تدعو اليه مؤسسات ومنظمات الامم المتحدة هي عمليات تقارب ودمج وتعزيز التمازج بين الثقافات بغية تحقيق وتنمية التواصل فيما بين اتباع تلك الثقافات، لأن هذه الثقافات المتنوعة هي بالاساس موجودة، ولكن تنقصها اليات التنمة والتواصل فيما بين الافراد التي يمثلونها وتعزيز وجودها في ذهنية الافراد والجماعات بمختلف انتمائاتهم .
اليوم حيث يحتفل العالم باليوم العالمي للتنوع الذي يصادف من كل عام 21 ايار والذي اتخذ من قبل منظمة اليونسكو في عام 2002 رسميا للاحتفال به ، من الضروري بالنسبة لبلد مثل اقليم كوردستان ان يلتفت قليلا الى حواليه، ليكتشف ذلك الثراء الثقافي والتنوع الحضاري الموجود فيه حتى يستطيع ان يكون عضوا فاعلا ضمن الاسرة الدولية حتى ولو لم يكن بلدا مستقلا، فالتقارب الثقافي شأن الجميع كأفراد ومسؤولية المؤسسات ان تعمل بما يساهم في تعزيز التنوع وصولا الى قبول الاخر المختلف والاقرار بثقافته وحضارته وتراثه وخاصة مع لاعصر التكنولوجيا التي باتت تخترق الحدود وتمزج الثقافات وتفرض ثقافات وان لم تكن هناك محاولات جدية للحفاظ عليها – الثقافة المحلية وتنوعاتها – وتنميتها فانها ستتعرض للزوال والنسيان.
سمات التنوع في اقليم كوردستان
ومثلما يعلم الجميع ان التنوع الثقافي الذي يتميز به اقليم كوردستان له سمات عديدة ، اذ فيه التنوع الديني، حيث يوجد ( المسلمين كورد وعرب– الايزيدية – المسيحيين – التركمان – الشبك – الصابئة المندائية – الكاكائية – الزرداشتية – البهائية ) وغيرها من المكونات التي لها ثقافة وتراث مترسخ في ذهنية الافراد والتي تختلف من منطقة لاخرى، ثم هناك التنوع الثقافي اذ توجد ثقافات مختلفة لها جذور تاريخية عريقة، مثلا التراث الثقافي الموجود في سنجار للايزيدية وتراث هاورامان لليارسان او تراث وثقافة ديانا وسوران او كفرى وكلار و كويى ورواندوز او ئاميدي وكركوك كل له سماته، وطبعا لايمكن ان ننسى التراث والتنوع الحضاري اذ تعتبر كوردستان مهدا لحضارات عديدة بدأت من وجود اول انسان على وجه الارض النياندرتال في كهوف شاندر ومراحل لحضارات مختلفة من الميديين – الاشوريين وصولا الى ، التنوع التراثي، القومي والاثني ومنبعا لظهور الاديان – الشمسانية – اليزدانية – الميثرائية – الزرداشتية ثم انتشار اليهودية والمسيحية وقدوم الاسلام والتي تمثل مراحل حضارية مهمة لابد من التعرف عليها حتى نتعرف على منابع حضارة وتراث وثقافة شعوب المنطقة والتغيرات التي طرأت عليها .. ولكن هناك سؤال يتبادر الى الذهن ، ما هي العمليات التي تجري من اجل تعزيز هذا التنوع وفقا للرؤية التي تدعو اليها اليونسكو في اعلان مبادىء لتسامح والتنوع والثقافي اي التي تهدف الى تعزيز الرؤية لمكانتها – التنوع – في ذهنية الافراد؟ ماهي المبادرات الحكومية لتعزيز ذلك التنوع؟ وما هو مستوى وطموح مبادرات ومساهمات وسائل الاعلام والمجتمع المدني للاسهام بتنمية ذلك التنوع ؟
طبيعي للاجابة على هذه الاسئلة نحتاج الى الكثير من استطلاعات الرأي القيمة والعلمية، لانه في الاساس توجد مبادرت حكومية، خاصة تلك التي قامت بها لفترة وزارة الثقافة والشباب والرياضة، ثم كان ولايزال هناك تحرك مهم للمجتمع المدني لتعزيز التنوع من خلال العديد من المبادرات والفعاليت المستمرة على مدار السنة. ولكن وفقا لعملي في هذا المجال منذ اكثر من ثمان سنوات ضمن مشاريع اعلامية ومنظمات دولية في اقامة دورات وورش عمل عن التسامح والتعددية، فأن الواقع لايزال يؤشر الى الكثير من الحاجة للعمل من اجل تعزيز ثقافة التنوع والتعددية في اقليم كوردستان لانه لايزال هناك جهل كبير بتراث وحضارة جميع مكونات الاقليم وثقافاتها او في الغالب ينظر أليها فقط من المنظار الاختلاف الديني وينظر اليه في مقام الخلاف وليس الاختلاف كأساس لتعزيز التنوع .
كيفية تعزيز التنوع في ذهنية الافراد ؟
ولكن السؤال الاول هو المهم فيما يخص بمستوى تعزيز التنوع في ذهنية الافراد ، اذ لم تتعزز رؤية قبول والاسهام في تعزيز التنوع في ذهنية الافراد رغم كل تلك الجهود الكبيرة والسؤال بالسؤال يذكر ، لماذا ؟ : ان التحديات التي تواجه تعزيز التنوع كثيرة وكبيرة ومتنوعة ايضا، اذ يجب ان نشخص تلك التحديات حتى نستطيع ان نتجاوزها وكيفية العمل عليها ولكن هناك اسباب رئيسة واخرى مساندة لها او مكملة فالسبب الرئيس هو قلة وجود اسس تنمية ثقافة التنوع في العائلة، واستسلام غالبية الناس في اقليم كوردستان لمصدر معرفي واحد فيما يخص بالتعرف على الاخر والتعامل معه والقبول به كما هو وهو المصدر الديني، كما هناك مبادرات مستمرة منذ مئات السنين لمحو الثقافات الاصيلة والتراث العريق والفهم العميق لحضارة المنطقة واضفاء صيغة واحدة مستندة الى الدين وهو دين الغالبية، فحتى بناء المساجد في القرى والارياف النائية فيها يتم العمل وفق هذا الاتجاه، فبدلا من يكون اسم المسجد الصغيرة في قرية نائية في سوران او بنجوين، في زاخو او برواري في بيارة او حاجي عمران بدلا من ان يحمل الرموز الحضارية لابناء المنطقة ترى انه اطلقت اسماء لثقافة وحضارة اخرى مع جل احترامنا لها هي غريبة عن تراث المنطقة، فمثلا ترى اسماء تلك المساجد ( مصعب بن عمير بدلا من يكون اسماء كورديا عريق يرتبط بتاريخ وحضارة تلك المنطقة مثل شيروان او سرفراز) .
التحديات التي تواجه تعزيز التنوع
وفي الجانب الاخر هناك تحديات اخرى تواجه تعزيز التنوع في ذهنية الافراد : اولا – تتمثل في قلة المصادر المعرفية بخصوص التنوع اذ هناك شحة كبيرة في البحوث والدراسات باللغة الكوردية او المترجمة من لغات اخرى حول هذا المنبع المعرفي – ثانيا – هناك الخطاب الاحادي للافراد والجماعات، كل واحد يقر بأن ثقافته وتراثه هو الابرز والاهم ويحاول ان يعممها وفق منظوره وليس وفق منظور من يقبل بها كما هي – ثالثا – ثم هناك الخطاب الديني الذي يعد العامل الاهم في محو ثقافات والتركيز على ثقافة بعينها ، وطبعا في الكثير من الاحيان الازدواجية في الخطاب الديني تكون سببا في عدم تعزيز ثقافة التنوع الذي في الغالب يدعو الى تقبل الاخر المختلف شكليا ولكن في الاساس توجد تحديات داخلية تمنعه من ممارسة وتعزيز ذلك القبول بالتنوع.
عليه وبغية الحفاظ على التعددية والتنوع وجعله مصدر ثراء حضاري في اقليم كوردستان لابد ان نفهم ان العملية يجب ان تمر وفق المسار الصحيح كالاتي :- في المرحلة الاولى التعرف على التنوع كتراث وحضارة وثقافة وفكر انساني ماذا يمكن ان تفعل كل جهة من جانبها بهذا الخصوص – ثم القبول به اي القبول بكل الثقافات كما هي وليس الانتقاص منها من قبل الافراد وتدريجيا الجماعات– ممارسة وتعزيز التنوع اي ان نمارس عملية الاقرار بالتنوع ونساهم في تعزيزه فرديا حيثما رأيناه بحاجة الى الدعم والمساندة اي نشعر الاخر المختلف ثقافيا انه له مكانة وقبول .
ما هي فرصة مواجهة التحديات وماهي المعالجات؟
لذلك فأن ما نحتاج اليه في اقليم كوردستان لتنمية ثقافة التنوع هي توفير مصادر معرفية واسعة ، ومبادرت مدنية وحكومية ودينية مستمرة على مدار السنة، والتشجيع والاستناد على مبادرات مؤسسات الامم المتحدة في هذا الخصوص لأحياء هذ التراث الثقافي الغني والثري والعمل بما يؤدي ان تنعكس هذه الفعاليات والمبادرات في وسائل الاعلام بشكل واسع وممنهج ومهني ضمن برامج محددة واخرى مفتوحة تزود المتلقي في اقليم كوردستان بمصادر التنوع الثقافي وترشده الى الاستفادة منها دون تحييز او تمييز وان تقدم وسائل الاعلام جميع الثقافات المتنوعة بنفس الاهمية ونفس الاهتمام ، فعندما يكون هناك تعزيز للتنوع سيكون عنصرا مهما للاستقرار وارضا خصبة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تساعد كثيرا في مسألة تقارب الثقافات لتصبح عاملا للاستقرار السياسي وسيادة القانون في النهاية وتنمية المجتمع وفق الاسس الصحيحةفي ان يشعر كل واحد ان ما يمتلكه من ثقافة لها مكانتها وما عليه من انتماء لايشعره بعدم المساواة .
* قدم ملخص من هذا المقال في سيمينار ( التنوع الثقافي واهميته في الحوار والتنمية ) الذي نظمته منظمة سورايا للثقافة والاعلام – اربيل 20 ايار 2015 في قاعة المتحف السرياني في عينكاوة.