خضر دوملي*:
في حياتنا كثيرا ما نتصرف وفقا للكثيرا من الاهواء لانعرف تبعاتها ألا لاحقا، اذا أمعنا فيها بعمق طبعا، نرى ان الواقع الاجتماعي لنا يحمل في طياته الكثير من الغضب، والعنف، والشراهة، وسوء الضن، وهو ما ينعكس لاحقا على ما ينتج من تفاعلنا مع المجتمع من ممارسات غير صحيحة، لابل تكون ارضية خصبة للعنف الذي يؤدي الى نوع من انواع الارهاب بمصادرة حق الاخر في أن يكون مختلفا، المتمثل في ألغاء الاخر، انا أسمي الغاء الاخر نوع من انواع الارهاب وهو الارهاب الاجتماعي.
لو تمعنا في تصرفاتنا جيدا، ولو تتبعنا تعاملاتنا جيدا، ولو قارننا أنفسنا بالكثير من شعوب الارض، التي لاتمتلك مثلنا حضارة وتراثا وفكرا روحيا ودينيا، ألا انها اكثر ليونة في التعامل، اكثر مرونة في التصرف، اكثر قدرة على احتواء المواقف المحرجة والصلبة، لكن لو تتبعنا واقعنا لرأينا أننا في و بسبب أقل ردة فعل نغضب غضبا شديدا، نتصرف بهوجائية، نلغي الاخر، ونسد الطريق امام اخر يريد ان يصحح الموقف، نقول توصيفات بحق الاخرين، تنهي كيانه، ونلصق اقاويل بالبعض من عندنا لانعرف تبعاتها، ولم نتعلم ايضا ما هي تبعات ان تتحدث بكلام قاسي او توصف شخصا بالكثير من الاوصاف غير الانسانية ليس لسبب، سوى انه تحدث برأي مختلف عنك، نتصرف بطريقة تؤثر على حياته ومستقبله، وفكرتنا في الاساس التي بنيناها تجاهه بعيدة عن الواقع والحقيقة أليس هذا نوع من الارهاب وتهيء الارضية لخلق عقول ارهابية ؟.
قد يقول شخص ماهذه الاشياء؟؟، وهذا الوصف؟، أنها مسألة طبيعية، ومن نتاج المسيرة الحياتية ليس من المهم ان ننظر اليها بهذه الصورة، لكن في الاساس هي ليس كذلك، عندما نتربى على اشياء بعينها تبقى هي في مسار عقلنا برؤيتنا تجاه الاخر، ومن هنا يبدأ الارهاب الاجتماعي في داخلنا ينمو، يكبر، يتوسع، ويترسخ ليصبح جزءا من مسيرة حياتنا، فنصبح عدوانيين، ونلغى او لانسمح ان يكون هناك رأي للاخر المختلف، ونخاف او نتصور او نقبل ان كل من هو مختلف عنا فهو ضدنا، نفرح كثيرا بأن يتلو علينا شخص ما مهما كانت مكانته او منزلته ان يتلو علينا بعضا من الحكم والمواعظ والارشادات أو قد يهددنا بأنه لو خالفتها فليس لك مصير سوى النار، دون أن نسأل او نتمحص ونتفحص في صحة ما يقول، ولذلك نتهرب من الحقيقة وحتى لو بذلنا جهدا في بعض الاحيان وهي قليلة نسمع عنها ونتعرف عليها – الحقيقة – ولكننا لانمارسها. كل هذه الاشياء البسيطة تشكل في الاخير مساحة مهمة وارضية خصبة لأرهاب اجتماعي، ورهاب اجتماعي ايضا، تشكل نقطة تحول لتصبح تدريجيا جزء من شخصيتنا التي نتمسك بها، والتي تتميز بعدم قدرتها على استعياب الاختلاف، وفهم التنوع، قبول الرأي المختلف، قبول الفكر المختلف، وطبعا في النهاية نكون مستعدين ليس لألغاء الاخر بل للتمسك برأينا، وعدم السماح في أن نفهم بأننا كلنا بشر ليس من المهم هو كيف يكون لون كل منا، او شكله، بل المهم ما ينتجه للبشرية.
استعرض هذه الفقرات ليس من فراغ، بل هي نتجية مسيرة مستمرة من عشرة سنوات في العمل كمهتم ومدرب في مجال حل النزاعات ونشر ثقافة السلام والتسامح وقبول الاخر في العراق، حيث لاحظت ان الكمية الكبيرة من الارهاب المجتمعي، التي تشمل كل التوصيفات التي ذكرتها، هي التي تجعلنا نسكت عندما نكون متأكدين ان من يتولى ارشادنا وتوجيهنا يتحدث بما هو ليس واقع، ولن يصبح واقعا، يجعلنا نفسح المجال للارهاب الاجتماعي ان ينمو في داخلنا والذي يتمثل في ألغاء الاخر، او ترسيخ الخوف منه او السكوت على ما ينتجه حتى وان كان ضد القيم الانسانية مئة بالمئة.
ان نخاف من الاشياء دون ان نتأكد منها ونفهمها، يجعلنا على استعداد للغضب والعصبية الزائدة دون ان نبحث عن الاسباب، بل نلغي الاسباب التي يقدمها الاخرالمختلف حول نفس الموضوع، أليس الغاء الاخر هو ارهاب تام الموصوفية؟ … ألا نمارسه جميعا ؟؟؟، أليس هذا هو ما يجعل انتشار افكار التطرف في مجتمعاتنا سهلا وسريعا؟؟، التساؤلات كثيرة ولكن المهم ان نبحث عن الحلول، وهي واضحة كما ذكرتها في البداية، هو فتح اساليب جديدة واليات جديدة في التعامل مع المختلف ونشرها وتعزيزها، ليس فقط القول ان ذلك الشيء – او صاحب رأي مختلف او رؤية مختلفة – خطر على المجتمع، بل البحث عن الحلول في كيفية استيعاب اختلافه ، فأن لم تفعل ارشد الاخرين، لاتقبل بهذه الصيغة التي تلغي الاخر على الاقل، لابد ان نراجع مسيرة التربية الاجتماعية والدينية والعائلية من الاساس بتعزيزها بمفهوم ان الاختلاف ليس عداوة، والتعددية والتنوع ليس خراب وجودك او نهاية فكرتك، علينا ان نربي الاجيال بأن الساحة تسع الجميع، وأن الاهم هو ان نفهم عمرنا الحقيقي تجاه ما ينتظرنا، وان لانسمح بأن تكون عقولنا، اولا ساحة لزرع ونمو الافكار الارهابية، بل ان نعمل من اجل نفهم بعضنا البعض بصورة جيدة، نقبل بعضنا البعض بصورة جيدة، ونتحاور ونتعامل مع بعضنا البعض رغم اختلافتنا بصورة صريحة وجيدة نحو تعزيز الثقة فيما بيننا، ونخبر الاخرين بها ما عرفناه ونعمل على تعزيزها بقيم تحتضن الانسان رغم اختلاف لونه، وعقله، وتفكيره، ورؤيته، وحبه، وانتماءه، وحتى رغباته، وليس ان نقيس قوة ومكانته على اساس انتماءه الديني او القومي او المذهبي لتصبح هي الاساس في رؤيتنا عنه، فألغاء الاخر هو صورة من صور الارهاب الاجتماعي لابد ان نتجرأ لنتخلص منها في قبول الاخر المختلف كما هو، والقبول به والتعامل معه وفقا لما يساهم به في تعزيز الاستقرار المجتمعي.
*باحث اعلامي ومدرب ومختص في النزاعات وبناء السلام وشؤون الاقليات