ملامح عدم عودة النازحين في نينوى باتت اكثر تعقيدا //
خضر دوملي //
أنتشرت في الاونة الاخيرة العديد من الاراء والدعوات بخصوص عودة النازحين الى مناطق سكناهم في محافظة نينوى، ولان تلك الاطراف فقط تنظر الى الامر لتحقيق منافع ومكاسب سياسية فأنها لاتنظر الى الامور من زوايا مختلفة بقدر أهتمامها بالدعاية للعودة والترويج والتشجيع وكأن الامور بمجملها عال العال ، خاصة اذ علمان ان العودة الامنة تشكل عامل مهم للاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز السلم المجتمعي.
بعد متابعة ميدانية ومعلوماتية في العمل في تنفيذ عدد من المشاريع الخاصة ببناء السلام والمصالحة او حقوق الاقليات او مبادرات بناء السلام ذات العلاقة بشأن نينوى خلال الثلاث أشهر الاخيرة كانون الاول والثاني وشباط ، من خلال ورش عمل لعدد من المنظمات الدولية والمحلية او تقديم اوراق عمل في عدد من المحافل الدولية والمحلية، ضمن مشاريع دراسات شملت مقابلات مع العديد من الاشخاص يمثلون قادة المجتمع المحلي من مختلف المكونات ذات التوجهات المختلفة الدينية – القومية – الاثنية – السياسية – الادارية وقادة مجتمع واكاديميين، أتضحت اسباب عديدة عن عدم عودة الاستقرار وعودة النازحين الى مناطقهم وخاصة في غرب وشمال غرب الموصل او شرق وشمال شرقها او حتى لمركز المدينة. و تمثلت الاسباب بأنها توزعت الى عدة مجالات منها :
– تأثير الجانب الامني
– ضعف او عدم وجود مشاريع الاعمار
– ضعف مشاريع المصالحة وتحقيق العدالة
– عدم تفعيل التشريعات الخاصة بدعم العودة
– تأثير المنظمات الدولية في مخميات النازحين
– الصراع وعدم استقرار العلاقات بين بغداد واربيل
– استمرار نشاط المنظمات او التنظميات المتطرفة
– ارتباط عودة غالبية النازحين بموضوع الاقليات ومخاوفها
ويمكن ان نوضع لكل واحدة من هذه المسارات بعض التوضيحات المهمة اذ لابد ان يكون هناك تفهم واسع وعميق لكل مجال من المجالات التالية حتى يتم وضع اليات محددة لكل جانب .. ففيما يتعلق بالجانب الامني تغيرت الخارطة الامنية قبل وبعد تشرين الاول 2017 بعد ان تقدمت القوات العراقية الى المناطق المتنازع عليها في تلك المناطق وتغير خارطة النزاع على الارض وتبادل ادوار القوى الفاعلة في السيطرة على المناطق تلك وتعدد الاطراف التي تتمسك بالملف الامني. كما تغيرت طبيعة النزاع ايضا فبعدما كانت تلك القوى والاطراف السياسية والعسكرية في تحالف مع بعض لمحاربة تنظيم داعش ، اصبحت الان تقف بوجه بعضها البعض او تتنافس في السيطرة على الارض ومسك الجانب الامني .. كما ان فصائل امنية مختلفة وعديدة اصبحت تعزز مكانتها في المنطقة : على سبيل المثال بعدما كان الصراع في سهل نينوى يتمثل في جانبين محددين وهما بغداد واربيل ، تغيرت خارطة الصراع الان فهناك صراع بين فصائل الحشد الشعبي نفسها وبين الحشد العشائري التابع لعشار العرب النسة، ومن ثم فصائل مسلحة للمسيحيين موالية لبغداد واخرى لاربيل . وهذا الامر نفسه في سنجار وشرقي الموصل ايضا.
اذ في فترة قبل سيطرة الحشد الشعبي على تلك المناطق منذ تحررها العام الماضي وبعدها الان، لم يكن التنقل آمنا ولا التواصل بين السكان، وايضا انتشار جماعات القتل والخطف و الاستهداف في سبيل جعل المنطقة مستمرة بالانفلات الامني لكي تبقى تلك الجماعات متمركزة كما حصل الامر في ناحية سنونى – شمال سنجار من احداث مختلفة للقتل والخطف خلال الاشهر الماضية أو في تلعفر وحواليها وخاصة منطقة العياضية التي يصفها المتابعون القريبون منها بأنها القنبلة المعزولة . كما ان التنقل الان بين محافظة نيوة وبقية مدن اقليم كوردستان وخاصة دهوك تتاثر بغلق الطرق اذ لاتزال عدة طرق رئيسية تربط الموصل بمحافظة دهوك مغلقة وكل طرف يلقي مسؤولية الغلق على الاخر – بغداد واربيل.اذ كيف يفكر النازحين بالعودة ولاتوجد طرق امنة وتنقل سهلدون تعقيدات، مثلا في حال يصاب شخص بمرض يصعب ايجاد الادوية في قضاء تلكيف ولا مركز الموصل عليه ان يقطع مسافة ثلاث الى اربع ساعات ليصل الى اربيل بينما يبعد عن اقرب مستشفى في شيخان لنصف ساعة، او طبعا التخوف من التنقل الى مستشفيات الموصل من أطراف المدنية سواءا بسبب عدم توفر الخدمات او عدم الشعور بالامان من قبل البعض كل وفق مخاوفه .
فيما يتعلق بجانب الاعمار فأن غالبية التصورات تشير بأنه لم تجري على الارض تنفيذ اية مشاريع خاصة بالاعمار والتعويضات على الارض بحيث تكون مؤثرة وتساعد على عودة النازحين ، على سبيل المثال تحررت ناحية سنونى منذ كانون الاول 2014 والى الان تفتقر الى مشاريع حقيقية على الارض للاعمار ، وهذا السبب يعود الى عدم وجود خطط منظمة للاعمار ولا تنفيذ مشاريع ولا تخصيص حقيقي للميزانية لا من قبل الحكومة المحلية ولا الحكومة الفدرالية اذ لاتزال المنطقة تعاني من عدم وجود مرافق صحية كافية ولا مدارس ولا اعمار الطرق المدمرة.اذ ان شعور المواطنين والدمار ماثل أمام اعينهم ليس بعامل مساعد، قبل ايام التقيت بعائلة من سنونى واستفسرت عن سبب عدم عوتهم ؟ استعجل الرجل ليقول كيف نعود ولاتزال أثار بيتنا المدمر باقية ، ولاتزال المقابر دون حماية، ولايزال المجرمين هناك بعيدون عن المحاكمة ولا حديث عن التعويضات!!!.
ان عدم تنفيذ مشاريع خاصة بالاعمار في سهل نينوى وسنجار وربيعة كما هو الحال في مركز المحافظة لايزال سببا مهما لأن النازحين لايريدون العودة لمناطق مدمرة تفتقر الى ابسط مقومات العيش مثلا الكهرباء – الانترنيت او سهولة الوصول الى الجامعات للتعليم.
اما بخصوص مشاريع المصالحة فهي الاخرى تتراوح في مكانها اذ لاتزال تنفذ على نطاق ضيق من قبل المنظمات، مع عدم وجود خطة وطنية واضحة لتحقيق المصالحة، وهي تفتقر الى التركيز على جميع الاتجاهات، مثلا لايزال الجانب الاكبر – العرب السنة يتخوفون من المشاركة في تلك المشاريع وكثيرا ما تجد المنظمات صعوبة في اشراكها وان شاركت فانها لاتزال تركز على مسارات محددة تريد من خلالها التخلص من مسؤوليتها بأعتبار ان المحاكمات ستطال الكثير من ابنائها ورموزها، في نفس الوقت تقف اطراف سياسية واعلامية تابعة لهؤلاء الى نشر الكراهية والعنف مجددا بصورة مختلفة لتصبح عائقا كبيرا امام عودة النازحين، بحيث بدأت صورة نمطية تتشكل بخصوص العوائل التي بقيت تحت سيطرة تنظيم داعش واخرى كانت قد نزحت الى خارج نينوى، ايضا الى هذه اللحظة لم تنفذ أية مشاريع محددة بخصوص المضي في تحقيق اجراءات العدالة ومعاقبة ومتابعة الجناة وتحديد أطراف و مسؤوليات تقوم بتلك الامور، وهي الاخرى تشكل عائقا كبيرا امام عودة النازحين وعودة الاستقرار الى تلك المناطق ، مثلا بعد 17 تشرين الاول عادت الالاف من العوائل التي كانت منضوية او تعيش تحت سيطرة تنظيم داعش الى مناطق سكناها والان استقرت ويشير المواطنين وعدد من المسؤولين أنه لاتوجد أجراءات حقيقية وواضحة بخصوص التدقيق والتحقيق ولاتوجد اية اجراءات للتدقيق الامني الى درجة في بعض المناطق باتوا يهددون ذوي الضحايا في غرب دجلة وشمال الموصل بأنه سيتعرضون الى التصفية فيما اذا قدموا الشكاوى ضدهم – وفقا لشهادة سكان محليين في زمار وربيعة، ايضا الاجراءات الخاصة بلجان التحقيق والمحاكم التي اعلنت عن تشكيلها الحكومة العراقية غير فاعلة ولم تحصل على الثقة من قبل المتضررين ، سواءا بالتواصل معها او رفدها بالمعلومات او الضغط عليها كي تقوم بتنفيذ مهامها، وهو ما شكل عائقا مهما لعودة النازحين من عودتهم هكذا دون ضمانات ستكون عاملا لضياع حقوقهم.
من المهم الاشارة ان عقد تحالفات مشبوهة لتخليص بقايا عناصر تنظيد داعش من تلك المناطق كانت سببا مهما لعدم عودة النازحين بعد تحرير تلعفر و البعاج والحويجة . اذ فقد المواطنين الثقة بالمؤسسات الامنية عندما اصبحت ضحية الارهابيين وتعرضت للابادة والتدمير والتشرد والقتل والان يستمر هذا الوضع بعد انتهاء تنظيم داعش العسكري من خلال تصورات للعديد من المواطنين الذين يقولون ان قوات عديدة بدأت تحتضن العديد من الشخصيات التي متورطة بالانضمام لتنظيم داعش والقتال معها والان هم اعضاء في تلك القوات التي تتبع رسميا للمنظومة العسكرية العراقية ويقصدون بتنظيم الحشد العشائري – الرأي للمواطنين الذين التقينا بهم!.
الامر نفسه يتعلق بالتشريعات الخاصة بالعودة الامنة التي تفترض انها تطبق بصورة واضحة او تتلقى الدعم من قبل الحكومة – تخصيص ميزانية خاصة لدعم العودة للنازحين ، اذ خلت الميزانية من هذا الامر مما يشكل عقدة كبيرة امام عودة النازحين لمناطقهم ، كما أنه لايزال الكثير من النازحين يجهلون وجود قانون الرقم 20 وتعديلاته الخاص بعودة النازحين واليات تعوضيهم واسس تطبيق ذلك القانون ، الحكومة الفدرالية تتهرب من تطبيق فقرات القانون كي تتبرء من مسؤولياتها المالية بسبب تأثرها بالانتماءات، وأرتباط موضوع النازحين بأنتمائاتهم الدينية والقومية والمذهبية او كما أوضح العديد من المواطنين أنه التفكير بتوظيفها في قضية الانتخابات والتنافس السياسي في الانتخابات البرلمانية وايضا انتخابات مجالس المحافظات القادم. فيما يتعلق الامر بالتشريعات الخاصة المتعلقة بمرحلة ما بعد النزاعات الضرورية صياغتها ايضا هناك تقصير وأعتد انه متعمد بالاساس، اذ تغيرت طبيعة النزاعات في بعض المناطق بين النازحين العائدين والذين بقوا في اماكنهم تحت سيطرة داعش ، مما يتطلب ان تكون هناك اجراءات حاسمة ومستمدة من التشريعات الوطنية بخصوص معاقبة المجرمين وتعويض المتضررين.
وفيما يتعلق بتاثير المنظمات الدولية في قضية العودة الامنة فأنها الى الان لم تنفذ مشاريع كافية بتوعية النازحين بالموضوع كما انها تخصص مشاريعها اكثر في المخيمات والمناطق الاهلة بالنازحين والسكان المحليين مع بعض، لتوفر عامل الامن والاستقرار وايضا سهولة التنفيذ ، اذ تفتقر تلك المنظمات الى مشاريع محددة وذات توجهات حاسمة لذلك تفضل ان تبقى في المخيمات بدلا من التوجه للمنطاق المحررة التي ليس من السهولة العمل فيها مقارنة بالعمل في المخيمات والمجتمعات المجاورة.
ويمكن القول ان نقطة التاثير المرتبطة بالصراع بين بغداد واربيل وتأثيرها على العودة مرتبطة بالنقاط اعلاه، اذ يحاول كل طرف توظيف هذه النقطة او تلك لصالحه، فبقاء النازحين في اقليم كوردستان يعني توارد الموارد المالية، وتعزيز مكانة التيارات السياسية بين النازحين وتوظيفها للمرحلة الحاسمة وهي الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات، فبالنسبة لبغداد يسهل من عدم تكفلها بتأمين الاحتياجات الضرورية مسألة حاسمة طالما تتكفل المنظمات الدولية بالامر، الى جانب فان تاثير الصراعات التنافسية ذات الابعاد القومية والاثنية، وتوظيف كل طرف لجانب من هذا الصراع لصالحه يعد سببا كبيرا لعدم العودة، رغما ان تأثير هذا العامل تغيير مستمر في الوقت الحالي، فالالاف من العناصر الذين كانوا ضمن صفوف البيشمركة الكوردية الان لم يعد لهم القدرة الى العودة ولا لعوائلهم الى تلك المناطق وهذا عامل مؤثر وكبير..
فاذا كان عدم وجود خطط واضحة لمواجهة الاثار الناتجة عن سيطرة تنظيم داعش على المنطقة يعد عاملا مؤثرا على عدم عودة النازحين، يرى غالبية المواطنين والجهات المتضررة او الاطراف التي تريد العمل من اجل الاستقرار أو تنتظر ان تعلن الحكومة خطة وطنية لمواجهة افكار تنظيم داعش ولكنها لم تحصل الى الان بسبب تخوف بغداد من تغير مسار الصراع فيما اذا تم استهداف جماعات بتلك الخطط الخاصة بالحرب الفكرية او الثقافية لتنظيف العقول من الاثار الناتجة عن سيطرة تنظيم داعش لأنها تريد كسبها الان لصالح المعركة الانتخابية.
أما بخصوص الامر المتعلق بتاثير نشاطات الجماعات الارهابية فأنها لاتزال مستمرة ولاتزال العمليات تنفيذ في العديد من المناطق المحررة ، قرب الحدود السورية – جنوب الموصل وعلى اطراف سنجار وايضا اعادة انتشار تلك الجماعات واتباعها في المناطق المحررة المختلفة وفق لشهود عيان او وفقا للاخبار التي تنتشر على الدوام، هذا أمر يعد عائقا كبيرا امام عدم العودة الامنة للنازحين، مثلا الان رصد العديد من المراقبين عودة الالاف من العوائل الى مناطقها وأغلب او جمي تلك العوائل كانت منضوية لتنظيم داعش بشكل مباشر او غير مباشر انتشرت او سكنت في الابنية غير الاهلة بالسكان في حال كانت قراها مدمرة او لم تستطع العودة لمواقعا الاصلية، ووصل الامر في بعض الاحيان ليسطرتهم على ممتلكات المواطنين . والتي بدأت بنشر خطاب الكراهية والتطرف على اساس الانتماءات باشكال مختلفة ايضا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أنها معرضة للتهديد والملاحقة.
ان ارتباط موضوع عودة النازحين بمخاوف الاقليات له دوافع ومبررات عديدة ، اذ ينظر الايزيدية والمسيحيين والكاكائية والشبك الشيعة والتركمان الشيعة خاصة الى الامر من زاوية الخوف من عودة التطرف الديني تجاههم، وايضا من عدم تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم ضد الايزيدية ، وخاصة جرائم السبي والخطف وتدمير وسرقة ونهب الممتلكات للمسيحيين والايزيدية وبقية المكونات، فعدم الاخذ بنظر الاعتبار مخاوف الاقليات في موضوع العودة ، يشكل عاملا حاسما مرتبطا ارتباطا مباشرا بالعوامل التي تم ذكرها أعلاه جميعا، ولكن بالنسبة للمخاوف الامنية وتحقيق العدالة ومحاربة الفكر الارهابي هي الاساس بالنسبة للاقليات الى جانب الدمار الذي لحق بمناطقهم شأنهم شأن المناطق الاخرى من نينوى. وهو ما يستدعي ان تتم مراجعة ووضع الخطط المناسبة لمنح الاقليات الامان والتشارك في صياغة القرارات الخاصة بمستقبلهم حتى يتعزز الاستقرار في مناطقهم قبل التفكير بدعم مشاريع العودة الامنة للنازحين.
هذه المحاور جميعها تعد نقطة تحول كبيرة امام عدم عودة النازحين لمناطق سكناها، وتشكل عاملا مؤثرا على عودة الاستقرار، اذ تعد مسائل النازحين في كل الحروب الداخلية نقد تحول مهمة في مسارات الصراع بأعتبار ان الاوضاع تتعلق وتنهار العلاقات وفقدان الثقة تكون الاساس ومن ثم العامل الامني وتطبيق القانون وتحقيق العدالة تعد الاسس الرئيسة لدعم العودة الامنة للنازحين دون مشاكل او دون استغلال الموضوع لأغراض أنتخابية ومنافع شخصية.