شمخي جبر* :
تعيش العديد من دول العالم وشعوبها حالة التنوع الديني والقومي والطائفي، وقد شكل هذا التنوع عبئا على بعض الدول فوصل الامر الى حالة من الصراع الاثني الذي ذهب ضحيته الالاف من الضحايا، وقد أوصل بعضها الى حالة الانقسام، كما حدث في القارة الهندية او في يوغسلافيا ومناطق اخرى من العالم .
المشكلة هنا ليست في التنوع بحد ذاته، اذ يمكن ان لايعد واقعا سلبيا وعامل ضعف في الواقع المجتمعي لو تمت ادارته بحكمة وانسانية من خلال التأسيس لمبدأ المواطنة الذي يتساوى من خلالها الجميع في الحقوق والواجبات ، فتتحقق المشاركة السياسية والثقافية والاقتصادية للجميع بغض النظر عن انتمائهم .
وقد عاشت الدول بسلام وقوة وتقدم في ظل التنوع الذي اصبح حالة ايجابية ومصدر قوة في حياة تلك الدول كما في الولايات المتحدة الاميركية .
وقد اشار الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلنتون الى التنوع الاثني والثقافي في الولايات المتحدة في خطابه امام الكونغرس في 27 كانون الثاني 2000 🙁 في غضون اكثر من خمسين عاما لن يعود هناك عرق أكثري في امريكا، ففي عالم مترابط بشكل متزايد، يمكن لهذا التنوع ان يكون ورقتنا الرابحة الاكثر عظمة ، يكفي النظر الى هذه القاعة، انظروا حولكم، فلدينا في هذا الكونغرس اعضاء من كل الاصول الاثنية والدينية تقريبا واعتقد بأنكم تشاطرونني الرأي بأن امريكا أكثر قوة لهذا السبب)
مأزق الهوية
متى يبدأ المواطن او الفرد بالبحث عن هويته ؟
يرى الكثيرون ان هذا البحث يبدأ ،حين يمارس الاقصاء والتهميش للفرد، او حين يحرم من اي نوع من انواع المشاركة (اقتصادية او سياسية) يقول امين معلوف (إن المواجهات التي يتعرض لها الفرد بسبب أحد عناصر هويته أو بعضها، عامل رئيس في توليد الشعور بالخوف لديه) وفي بحث المواطن عن مأوى او مظلة أو خيمة يستظل بها، فلا يجد غير هويته الفرعية، فيكرسها وطنا بديلا وهوية يشعر بها وينتمي لها او يستعيدها او يعيد ارتباطه بها ليحصل على الامان والاطمئنان .كيف يحقق الفرد قبولا اجتماعيا ويلبي توقعات الجماعة الاجتماعية بدون هوية ؟
يقول عالم النفس اريك فروم “ان فقدان الذات واحلال ذات اخرى مكانها، يدفع الفرد الى حالة من انعدام الاطمئنان، فالشك يلاحقه اذ انه اساس مرآة لتوقعات الاخرين منه، بينما هو فقد هويته الى حد كبير، وفي سبيل تجاوز الهلع الناتج عن خسارة الهوية هذه، نراه مضطرا للبحث عن هوية ما من خلال قبول واعتراف مستمرين به من قبل الاخرين”.
يشير مفهوم الهوية إلى مجموعة من الناس ، تشكل جزء من الكل المجتمعي، وهي وعي الذات ووعي الاخر وتشكيل موقف متوقع من الذات الكلية او من الاخر الشريك ، ويمكن ان يعبر عنها بوصفها اطارا مرجعيا وثقافيا لسلوك ما ، لهذا الفرد المعبر عن تلك الجماعة التي هو جزء منها.ومن هنا يعبر عن الهوية بالقول (ما هو ليس من الذات فهو خارجها وما ليس من الاخر فهو فيها ).
وحين نصر على استخدام مفهوم الهوية للدلالة على الانتماء الى جماعة ما ، لانها تشكل توصيفا لذات الفرد ومجموعته التي ينتمي اليها وتتشكل من عدد من السمات الثقافية والسلوكية للجماعة ، وتصورات الجماعة عن الاخرين وموقفها منهم.
ويمكن ان يكون للهوية لحظة تضخم لخضوع الهوية للتحدي والاستجابة ، انبساطا وانقباضا ، فالتميز والنبذ او الفرز الاجتماعي او التهميش جميعها لحظات انتعاش للهوية.
هل يمكن ان تتعدد هويات الفرد وجماعته ، كما في السياق العراقي؟
فالفرد قد يكون مسلما وعربيا وعراقيا وشيعيا في آن معا ، فان كان هناك صراع قومي كانت عروبته حاضرة فهو عربي قومي، وان كان هناك تحدي يتعرض له وطنه العراق فهو عراقي قبل كل شئ ، وان اسيء للاسلام تبرز هويته الاسلامية ، ولو كان هناك صراعا طائفيا او تعرض للتمييز كونه شيعيا حضرت هويته الشيعية بوضوح،فالهوية موقف وسلوك ولحظة مواجهة.
الاعتزاز بالانتماء لهوية معينة قد يجعل الفرد امام مسؤولية ابراز الهوية وعرضها وإشهارها ، وهذا يتم من خلال وسائل عدة ، اذ يمكن ان يتمظهر في طقس ديني او زي او لغة ، القصد منه التمييز عن الاخر او للاستعراض .
فتتحول الهوية ومجموعة رموزها الى ايقونة او مجموعة ايقونات تصبح دلالة طريق ثقافي او اطار للهوية او تمظهر لها.
اللا تعايش هو هيمنة أجواء من الشك والريبة وعدم اطمئنان المكونات القومية والعرقية والدينية لبعضها البعض،لابديل عن التعايش الانساني والأخاء غير العنف والدمار والقتل وهو ماحصل ويحصل اليوم بكل أسف،مسألة التعايش بين المكونات الاثنية هي مسألة سياسية بالدرجة الاولى وان الزعم والأدعاء القائل بوجود فوارق “ثقافية” ناجمة عن البيئة والسلوك الاجتماعي والموروث الديني بين الطوائف والاثنيات لن تكون حائلا دون تحقيق التعايش اذا حلت المسائل السياسية،هذه المكونات مصادر وروافد للتنوع والازدهار والمنافسة في ظل سيادة الأمن الاجتماعي واحترام الاختلاف بين هذه المكونات . ان الهويات الفرعية حقيقة سوسيولوجية موضوعية لا يمكن التنكر لها بل يجب احترامها واخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار وهي مصدر قوة وغنى للهوية العراقية.
فضيلة اخلاقية
تعيش العديد من المجتمعات حالة التنوع الثقافي والديني والعرقي ،اذ ليس التنوع بحد ذاته معضلة تواجه الدول والمجتمعات ، بل المعضلة في ادارة هذا التنوع، فقد يصبح عبئا ومشكلة في حالة عدم النجاح في ادارته فيشكل عاملا للتصدع والصراع الذي قد يصل الى مستويات عالية من العنف.
و(السمة الرئيسة في تعريف كلمة (التعايش) هو علاقتها بكلمة (الاخرين) والاعتراف بأن (الاخرين) موجودون ، التعايش يعني التعلم للعيش المشترك، والقبول بالتنوع،، بما يضمن وجود علاقة ايجابية مع الاخر..فعندما تكون العلاقة ايجابية وعلى قدم المساواة معه فان ذلك سوف يعزز الكرامة والحرية والاستقلال، وعندما تكون العلاقات سلبية ومدمرة فان ذلك سيقوض الكرامة الانسانية وقيمتنا الذاتية.)
فالتعايش هو فن ادارة المجتمعات وفرصة لاقامة السلم الاجتماعي بين الجماعات في مجتمعات التنوع الديني والطائفي والقومي،ومنع نشوب الصراعات(من الممكن العيش سويا رغم تبايناتنا) ، وعكس هذا يمكن ان يكون الصراع بين الجماعات الى قيام حرب اهلية ،قد تصل الى حد تقسيم الدولة الواحدة.
يعبر الفرد والمجتمع من خلال ايمانه بقيمة التعايش عن انسانيته واخلاقه ومستواه التربوي والثقافي، اذا لايمكن ان يؤمن بالتعايش الا من انطلق في مواقفه وسلوكه من اطار مرجعي ثقافي ديمقراطي يؤمن بحقوق الانسان، وحقه في الاختلاف عن الاخرين واختيار دينه وطائفته دون اكراه .
التعايش ليس موقفا سلبيا سكونيا، بل هو عملية تفاعل وقبول اجتماعي واعتراف متبادل بين الانواع الاجتماعية والثقافية والدينية والطائفية خارج اطر النبذ الاجتماعي او الاقصاء السياسي والحرمان الاقتصادي .
وهو رؤية لبناء الحاضر والتأسيس للمستقبل برؤية انسانية يشترك فيها الجميع دون استفراد او استحواذ، واحترام الخصوصية لكل جماعة دون تقديم لتنازلات عن هذه الخصوصية للطرف الاخر ، بل ايجاد قاعدة مشتركة ومنطقة وسط يلتقي الجميع عليها لبناء الواقع ومغادرة ماهو قائم من عدوانية او تعصب.
يحتاج التعايش الى اطر دستورية وقانونية تنظمه وتحميه وتوفر له بيئة من السلم الاجتماعي المحمي قانونيا .
لايمكن ان يكون هناك تعايش حقيقي دون وجود دولة قوية ، دولة تحترم الانسان وتصون كرامته وتحمي معتقده ، دولة لا تتبنى معتقد او دين او طائفة ، بل دولة الجميع وللجميع .
الجهد الدولي في بناء التعايش
ارتبط مفهوم التعايش بعدة مفاهيم وقيم انسانية كالتسامح، والاعتراف بالاخر، والتعدد والتنوع. وقد اعتبرت هذه القيم والمبادئ هي الاسس المهمة لبناء التعايش وقد اهتم العالم ومنظماته الدولية بها وعمل على التاكيد عليها واشاعتها لايجاد بيئة يسودها السلام محليا وعالميا، وخصصت لها ايام للاحتفاء والاحتفال بها ، كيوم التسامح العالمي (16 تشرين الثاني) ويوم التنوع الثقافي الذي خصص له يوما عالميا هو (21 مايس).
التسامح
في عام 1996 دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني ، من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور (القرار 51/95 ، المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر).
وجاء هذا الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في عام 1993 بأن يكون عام 1995 سنة الأمم المتحدة للتسامح (القرار 48/126 ). وأعلنت هذه السنة بناء على مبادرة من المؤتمر العام لليونسكو في16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، حيث اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح و خطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح .
توجز وثيقة نتائج مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 (A/RES/60/1 ) ، التزام الدول الأعضاء والحكومات بالعمل على النهوض برفاه الإنسان وحريته وتقدمه في كل مكان ، وتشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب.
تحتفل دول العالم في (16 تشرين الثاني) من كل عام باليوم الدولي للتسامح باعتباره فرصة لتأكيد قيم الاخاء والمحبة والتعايش بين الشعوب والقوميات والاديان والثقافات المختلفة، فيتم التأكيد على اهمية تقدير التنوع الديني والطائفي والقومي والسياسي والاختلاف الثقافي، وهو انفتاح على أفكار الآخرين وفلسفاتهم، منبثق من الرغبة في التعلم والإطلاع على ما لدى الآخرين، والاستعداد لعدم رفض ما لا نعرفه، والتسامح احد اهم مبادئ التعايش في مجتمعات التنوع الديني والطائفي والقومي.
التنوع
تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة اعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي الذي قدمته اليونسكو في شهر تشرين الثاني 2001 وأعلنت يوم 21 مايس يوما عالميا للتنوع الثقافي. ودعت الأمم المتحدة الى الاحتفال بهذا اليوم من اجل تعزيز قيم التنوع الثقافي وزيادة الوعي بشأن أهمية استثماره في التنمية تعبيرا عن العلاقة الايجابية بين الثقافة والتنمية وأهمية الدور الذي يجب أن تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحوار الثقافي والتنمية المجتمعية .ودعت الامم المتحدة الى اعتبار هذا اليوم فرصة مهمة للاعتراف بالتنوع ومن ثم التعايش معه بوصفه واقعا لايمكن الهروب منه او غلق الابواب دونه بوصفه فرصة لبناء السلام.
وقادت الامم المتحدة بالتعاون مع اليونسكو عدة حملات لرفع الوعي على مستوى العالم بشأن أهمية الحوار بين الثقافات من أجل الوصول الى مايمكن تسميته بالمجتمع العالمي. ويمكن اعتبار اليوم العالمي للتنوع الثقافي فرصة للحوار واللقاء بين الثقافات من اجل التلاقح دون هيمنة ومغادرة عقدة الهوية التي يتحجج بها البعض من دعاة الانغلاق والعزلة.
فقد اثبتت الفترات التي مرت بها الامم ان لامجال للعزلة لانها آلية للنكوص والانكسار الداخلي وهو مايجعل اية امة تعيش تحت تأثير هذه الآلية ستجد نفسها خارج سياق التاريخ والزمن والتطور وستتسع الهوة الثقافية والعلمية بينها وبين الامم الاخرى.
وبقدر تعلق الامر بالعالم الثالث وعالمنا العربي فانه أشد مايكون الى التعايش والاعتراف بالتنوع وبخاصة في المجال المحلي ، وهذا يشمل مجتمعات التنوع والتعدد الاثني والديني والطائفي.
فيوم التنوع الثقافي فرصة لادامة التعايش وايجاد وبناء فضاءات السلم الاجتماعي وبناء قيم الاخوة الانسانية بعيدا عن العداء والاحتراب .
ويمكن القول ان التنوع الثقافي لا يمكن أن يزدهر الا في بيئة تضمن الحريات الأساسية وحقوق الانسان وايجاد ضمانات دستورية وقانونية تحمي التنوع وتنظم عملية رعايته وتنميته لان هذا يعني احترام كرامة الفرد وخياراته العقائدية والثقافية ، ولايمكن القفز على التنوع او تجاهله وتجاوزه لانه واقع سسيولوجي وثقافي لابد من الاعتراف به ورعايته وتوفير متطلبات تنميته.
الموقف الديني
يمكن ان نجد الكثير من النصوص الدينية، سيما في النص القرآني ، مايحث على قبول التنوع والاعتراف به ، بوصفه احد سنن الكون، وقد اتخذ الموقف من التعايش عدة وجهات ربما يتناساها المتطرفون والمتعصبون او يغضون الطرف عنها او يفسرونها على هواهم .
فبشأن التعددية الدينية جاء في النص القرآني (الإعتراف بكافة الأديان:
إن الذيم آمنوا والذين هادوا و النصارى و الصابئين من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون).(﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾، ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.
ويوصي بالتعامل بالحسنى مع اتباع الديانات الاخرى ماداموا يعيشون معهم بسلام ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
فليس من شأن المسلم التدخل في شؤون الاخرين ، بل عليه ان يترك الامر كله لله (﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾، ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
وعن التعددية القومية قال (يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
التعارف
يعد التعارف الجزء الاهم والركيزة الاساس في بناء التعايش ،اذ تأتي اهميته في الاجابة على العديد من الاسئلة من خلال التعارف.
من هو ؟
كيف اعترف به دون ان اعرفه ؟
انا اخافه ؟
هل هو عدوي؟
هل يستهدفني؟
ومن هنا فان التّعارف للتّعايش بالحوارِ والجدالِ بالتي هي أَحسن، وعدم احتكار الحقيقة ابداً لانّها تُلغي التّعدديّة التي جعلها الله تعالى كما في قوله عزّ وجلّ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
( ومن اهم طرق معرفة الاخر ان يتم التعرف عليه من مصادره ولا نكتفي بما نعلمه عنه من مصادرنا وحدها،، كما ينبغي وصفه على حقيقته لا كما نتمنى، وان يتم التعامل معه حسب تعريفه لنفسه لا كما نعرفه نحن)
فتزال العديد من الشكوك والمخاوف والمواقف المسبقة يقول محمد محفوظ (وذلك لتفكيك الرؤى النمطية التي تحبس الإنسان والمجموعات البشرية في قوالب جامدة، تزيد من فرص سوء الظن بين المختلفين. بينما التعارف المباشر يبدد الكثير من الصور النمطية، ويوفر فرصة التلاقي والانسجام النفسي، والذي بدوره يعزز إمكانية التعارف العميق بين المختلفين. التعارف الذي يدفع الجميع للانفتاح على الجميع بدون هواجس مسبقة سواء كانت ذات بعد تاريخي أو ذات بعد معاصر. وهكذا تتراكم قواعد التعايش في النفوس والعقول، وينفتح مجال التعاون على قاعدة المصير المشترك) .
يمكن ان يكون التعليم فرصة لتعليم التعايش وتعليم الطفل منذ المراحل الاولى على العيش المشترك والاعتراف بالتنوع المحيط به وقبوله.
فيوصلنا التعارف الى نتيجة نعم انت موجود … نعم انت مختلف عني … ليس لدي مشكلة معك .. من حقك ان تعيش … من حقنا ان نعيش معا بسلام.
صناعة عقل التعايش
التعايش قيمة ثقافية مكتسبة يحصل عليها الانسان من بيئته الاجتماعية داخل الاسرة او المجتمع او المؤسسة التربوية .
ربما نستطيع ان نقول ان اهم المهام الملقات على عاتق من يريدون اقامة السلم الاجتماعي والتعايش بين المختلفين في مجتمعات التنوع هو صناعة عقل يستطيع التعايش ، عقل غير عدواني وليس كراهي ، نحتاج اعادة تأهيل عقل الانسان وانقاذه مما ترسب فيه من قيم ومفاهيم اقصائية .
والتخلص من العلاقة الصفرية التي تلغي الاخر أو التي تسعى الى الغائه بل فنائه، ومن هنا تأتي اهمية خصوصية الفرد وحريته في متبنياته من معتقدات وافكار .
(الغير عدو بالضرورة ) هكذا يفكر الاقصائي الذي لايعرف عقله شيئا من منظومة التعايش الاخلاقية .
كما لايمكن ان يكون هناك تعايش دون الاعتراف بالمساواة بالحقوق والواجبات وليس في الواجبات فقط،وهو مايؤكد عليه مبدأ المواطنة الذي يساوي بين الجميع.
المؤسسة التربوية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام فضلان عن المؤسسة الدينية ، جميع هؤلاء منفردين ومجتمعين قادرين على ايجاد فضاء اجتماعي متعايش ومطمئن ، ومجتمع يسوده السلم الاجتماعي .
جميع هذا بحاجة الى سند قانوني ودستوري يقدم ضمانة وطمأنينة للجميع من اجل تحقيق المساواة بين الجميع دون تمييز على اساس العرق او الدين والطائفة .
المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــ
1ــ جوزيف ياكوب.. ما بعد الاقليات ، بديل عن تكاثر الدول، ترجمة حسين عمر.ــ بيروت: المركز الثقافي العربي ،2004 ص 282
2 ـــ شمخي جبر … الهويات الفرعية وإنتـــاج ثقافة الانحطاط واللاتعايش .. موقع دروب
3 ـــ شمخي جبر … المشروع الطائفي…فشل للدولة وحبل انقاذ لمشاريع التفرقة ـ الحوار المتمدن .. 2013 / 12 / 20
4ــ ماهو التعايش .. كومار ربسنكة ، ترجمة ذاكر ال حبيل..مجلة الكلمة . (نيو صوفيا / قبرص.)العدد ( 68 ) السنة السابعة عشر ، صيف 2010م ، 1431هـ
5ــ التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو
6ــ محمد محفوظ .. التعايش من منظور مختلف … جريدة الرياض 25 /3 /2014
_________________________________________
* مؤسسة مدارك للبحوث والدراسات
** نشر هذا المقال في موقع الكتاب في موقع الحوار المتمدن ولتتطابق الافكار مع موقعنا نعيد نشره ..