خضر دوملي *
يتشعب الحديث عند التحديات التي تقف في طريق التغطية الاعلامية لقضايا الاقليات للذين تعودوا على تنفيذ المواد الصحفية بمختلف اشكالها بالطرق التقليدية، او الذين يتعاملون مع قضايا الاقليات كأي حدث عابر ، او فقط يستذكرون الاقليات عند حدوث انفجار او حالة قتل واستهداف او اقتحام لمحل صاحبة من اقلية ما، او مع الحملات الانتخابية، ويصعب الحديث أكثر عند الحديث عن الاقليات من منظور العقيدة او اقحامهم وجعلهم بشكل مباشر او غير مباشر ضحية للصراعات السياسية الدائرة في البلاد على مختلف الاصعدة وفي مختلف المناطق، وخاصة تلك التي تشهد النزاعات المستمرة منذ اكثر من 15 عاما في محافظة نينوى خاصة وبقية المناطق المتنازع عليها بشكل عام .
تتراجع مكانة الاقليات مع كل موقف سياسي متأزم في وسائل الاعلام المختلفة، وتشهد حضورا سلبيا في وسائل الاعلام التي ليس لها مهمة سوى مهمة التسقيط والتشهير بهذا الطرف او تلك الشخصية من هذه الاقلية او تلك، او إخفاء التهميش والاهمال الذي تعاني منه مناطق الاقليات .
عند مراجعة مكانة الاقليات في وسائل الاعلام العراقية يتطلب ان نكون منصفين اولا واخيرا بأن الغالبية من هذه الوسائل ليس لديها ألمام كافي ولا مراسليها بواقع الاقليات من ناحية عقيدتها فتفرض عليها المسميات والتوصيفات التي كثيرا ما تعتبر استفزازا من قبل اتباع الاقلية نفسها، حتى ولو كانوا غير معترضين عليها. ويشمل الامر هذا ايضا على القضايا المتعلقة بالعقيدة او الايمان والخصوصيات الدينية (( مو تعرف ان الكاكائية ديانة مغلقة ماتحب احد يطلع على خصوصياتها الدينية – مراسل يعتبر نفسه محترفا يقول هذا الكلام في حدث عام )) وهذا دليل كافي للتاثر بالانتماءات ، أذ لايعرف الكثيرين ان لأي مكون او اقلية الحق في الاحتفاظ بخصوصياتها وليس محبذا تناولها بغير ارادتهم اذا لم تكن تجاوزا على مبادىء الاعلان العالمي لحقوق الانسان .
واقع الاقليات في البلاد يشهد تراجعا ملحوظا اذا تستمر الانتهاكات بحقهم في كل المناطق ولكن بأختلاف نوعية ومستوى الانتهاك، الى جانب استمرار التهميش والاقصاء السياسي، ووجود الكثير من التشريعات التي تعد انتهاكا صارخا على حقوقهم مثل القوانين التي تخص رعاية الاحداث والقاصرين، أسلمة القاصرين، قانون البطاقة الوطنية، نسب التمثيل في الكوتا، عدم اقرار الدستور بضمان حقوق جميع المكونات والاقليات وعدم تحرك الصحافة عند حصول التجاوزات الرسمية بخصوص اي مكون بشكل مهني وجماعي او تسليط الاضواء عليها ولو بشكل مهني ومختصر – أهمال مناطق الاقليات بعد تحريرها من قبضة داعش – سنجار و الحمدانية وتلطيف او(( تصريح او موقف رئيس وفد العراق الى اجتماعات مناقشة التمييز العنصري في جنيف مطلع كانون الاول 2018 بخصوص التجاوز على البهائية )) هي ابرز الامثلة .
التسلسل الخاصة بالمشاكل التي تعاني منها الاقليات بدءا بمكانتهم في التشريعات وانصاف القوانين لهم، ومن ثم التمثيل السياسي والتمثيل في مراكز السلطة الذي لايوجد فيه عدالة وفقا للارقام ونفوس كل مكون – هناك مكونات لديهم مقاعد كافية وفق نظام الكوتا في مجلس النواب في بغداد او برلمان اقليم كوردستان ومكونات لايوجد لديها تمثيل عادل ومكونات اخرى ليس لها حصص من نظام الكوتا – كما ان المشاكل التي تعاني منها الاقليات بخصوص واقعهم ومكانتهم في المناهج التربوية – الدينية والعامة له خصوصية و تاثير كبير لم تحظى بالتغطية الصحفية الجيدة، اذ يشعر الاقليات ان هناك تعمد في اقصائهم في المناهج وهي الحالة التي جعلتهم يعيشون الاغتراب وهم سكان البلد الاصليين.
وبخصوص التحديات التي تواجههم في الوقت الحاضر ومكانتهم وتمثيلهم في مشاريع العدالة والمصالحة والتعويضات بعد الماسي التي تعرضوا لها من قبل تنظيم داعش وخاصة سبي نساء الايزيدية وتدمير التراث الحضاري للمسيحيين وتشريدهم واجبارهم على الفرار من مناطقهم التي تعرضت للدمار ولم تستطع الغالبية العظمى من العودة اليها، لم تخصص الى الان وسائل الاعلام تغطية خاصة بهذا الامر رغم ان الاقليات هم الضحية الاكبر ومساسيهم والابادة التي تعرض لها الايزيدية والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة على سبيل المثال وليس الحصر في نينوى انتهت بأنتهاء معارك داعش، في وقت ان التغطية بشكل عام بخصوص الجرائم التي ارتكبت بحق السكان المدنيين في نينوى لم تأخذ مكانتها الجيدة والمؤثرة في التغطية الصحفية سواءا بسبب الجهل او التاثر بالانتماء .
ان موضوعة الاقليات كرقم هو الاخر رغم تداول وسائل الاعلام له بالشكل المتقطع تتغير تلك الارقام ولاتنعكس في التغطية الصحية من حيث تأثيرها على مكانتهم وهويتهم وتصوراتهم المستقبلية، اذ على سبيل المثال تراجع نفوس المسيحيين من مليون ونصف على اقل تقدير في 2003 الى حوالي ثلاث مائة الف في احسن الاحوال وغالبيتهم يتمركزون في اقليم كوردستان و سهل نينوى والامر في اسوء حال بخصوص الصابئة المندائية الذين تراجعت اعدادهم من 120 الف الى حوالي عشرة الاف في احسن الاحوال اذ هاجروا وتشردوا في مختلف اصقاع العالم .
ان تأثير الصراعات السياسية واستغلال مكانة وموقع الاقليات في تلك الصراعات والصعود باصواتهم في الى البرلمان اوالسيطرة على المجالس المحلية ليس له حضور اعلامي مؤثر بقدر انه يتأثر بتأثر توجهات المراسلين او المؤسسات الاعلامية وأجنداتها السياسية .
الجانب الاكثر تأثيرا على واقع الاقليات في البلاد يتمثل في الصور النمطية السلبية والتصورات المسبقة تجاه الاقليات من قبل الاغلبية والتي على ضوئها يقوم الصحفيين بالتغطية متأثرين تلك الصور والاعتقادات – في كثير من الاحيان يقوم الصحفي او المحاور في التلفزيون بطرح الاسئلة وعرض التقديمات الطويلة من تلك الصور النمطية دون معرفة تأثيرها ودون يكون له اطلاع كافي على الاعتقدات الخاصة بكل اثقلية وخصوصياتها الثقافية والدينية. وعلى ضوء ذلك هناك جملة تحديات تتشعب الى عدة اتجاهات عند الحديث عن التغطية الاعلامية لقضايا الاقليات من قبل مختلف وسائل الاعلام – الرسمية وغير الرسمية وتتمثل في :
- عدم وجود الالمام الكافي من قبل غالبية المراسلين الصحفيين بواقع وتاريخ وثقافة الاقليات .
- تأثر المراسلين الصحفيين بتوجهاتهم وانتمائاتهم الدينية والسياسية والقومية عند تغطية قضية أية اقلية وترتفع نسبة التاثر عندما تكون قضية او حدث ما لأية اقلية مرتبطا بتلك التوجهات والانتماءات.
- عدم امتلاك الصجفيين لرصيد معرفي كافي بخصوص التعددية والتنوع وحرية العقيدة.
- عدم وجود مراكز ثقافية كافية او معلومة للمؤسسات الصحفية بخصوص الاقليات ..
- فرض بعض الاشخاص أنفسهم امام وسائل الاعلام يجعل من اعداد مواد مهنية صعبا لأن المؤسسات الاعلامية تريد فقط ابرز مواضيع الاقليات على لسان اشخاص محددين.
- عدم رغبة الاقليات وممثليهم في التحدث لوسائل الاعلام لان الكثيرين من المراسلين يقحمون ارائهم الشخصية في المواضيع التي يعدونها، او يربطونها ويدخلونها ضمن مسارا الصراعات السياسية والطائفية.
- تداخل قضايا الاقليات بالصراعات السياسية يجعل من الكثيرين من الصحفيين يتجنبون متابعة شؤونهم خوفا من وقوعهم في اخطاء لايرضى عنها الجهات السياسية الممولة للمؤسسة الصحفية.
- ارتباط قضايا وقصص الاقليات ومعاناتهم ( الابادة المنظمة وسبي النساء – والخطف والتدمير الذي ارتكب بحقهم – خاصة ضد الايزيدية والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة – في فترة داعش وبعض الممارسات الخاصة بالتغيير الديموغرافي في مناطقهم بالدين ) يجعل من الصحفيين يتجنبون التطرق الى تلك المواضيع رغم انها الاكثر تأثيرا على مكانتهم
- تأثير توجهات المؤسسات الاعلامية – وفق أجنداتها السيسية والدينية – على التغطية وتوجيه كوادرها يجعل من تناول قضايا الاقليات بشكل مهني أمرا صعبا ( هذا ما تريده المؤسسه جملة يرددها الكثير من الصحفيين )
- قلة خبرة الصحفيين في اعداد مواد معرفية وتقارير معلوماتية يجعلهم يقعون في الاخطاء عند الحديث عن المكونات ومعتقداتهم مما يجعلهم يتجنبون تغطية قضايا الاقليات ( هناك قلة قليلة من الصحفيين يميزون بين التقرير الذي يفدم المعلومات التعريفية عن موضوع معين بذاته يخص الاقليات، واخر يقدم المعلومات حول حدث – خبر أي تقرير اخباري ).
- عدم وجود توجه حكومي وارادة وطنية معلومة لوسائل الاعلام للتعامل مع قضايا التنوع والتعددية الدينية وحقوق الاقليات يجعل بوجهة نظر بعضهم عدم اثارة قضايا الاقليات افضل من الحديث عنها.
رغم ان هناك جهود حثيثة لتعزيز مكانة الاقليات في وسائل الاعلام ألا ان الامر ليس بهذه السهولة حتما، اذ اشارك شخصيا بمساعدة مجموعة من المختصين وممثلي الاقليات في أعداد استراتيجية اعلامية للاقليات لكن الموضوع يحتاج الى ارادة حكومية صارمة في المساهمة في تعزيز مكانتهم ومن ثم تركيز وسائل الاعلام على قضايا الاقليات بشكل مهني و مستمر وأعداد مواد اعلامية تخصصية تساعد على التعرف عليهم وتعزيز مكانتهم المجتمعية حتى لايقوم كل شخص ومن منطلق اعتقاده بتكفير اي مكون او الغاء أي معتقد او فرض هوية قومية او اثنية على أي اقلية وفق اهوائه ورغبات ومصالح اطراف يعمل لها دون التفكير بأثر ذلك على كل فرد مختلف .
= هذه المقالة قدمت كورقة عمل للمؤتمر الاول للصحافة الاحترافية الذي نظمته منظمة نيريج للصحافة الاستقصائية وبدعم من منظمة الدعم الدولي للاعلام – IMS بغداد كانون الاول 2018
*خضر دوملي : عضو مركز دراسات السلام وحل النزاعات في جامعة دهوك ومدير منظمة الاعلام المستقل وباحث في بناء السلام والاعلام وقضايا الاقليات – مدرس في قسم دراسات السلام وحقوق الانسان بجامعة دهوك – حاصل على الماجستير في حل النزاعات وبناء السلام والبكالوريوس في الصحافة . Khidher.domle@gmail.com