خضر دوملي*
يكثر الحديث هذه الايام عن المواطنة والمواطنة الفاعلة والمواطنة التشاركية، التي هي بالاساس مفاهيم مشتركة وتتجمع في مرفأ واحد يتمثل في دور المواطن ومكانته وضمان تلك المكانة مجتمعيا بعيدا عن أنتمائاته وتوجهاته الفكرية – السياسية – الدينية بحيث نصل الى مستوى من التفكير والتعامل بعدم ربط المواطنة بموضوع الاقليات او الاغلبية او ربطها بالدين اساسا.. الى جانب قصور الفهم لمبدأ المواطنة في العائلة 0 من خلال تعزيز مكانة افراد العائلة ودورهم – المرأة و الحقوق الشخصية – العمل – الدراسة المشاركة ثم فهم هذا المبدأ خارجا الى العائلة الاكبر 0 عائلة المكون الاقرب – العائلة الدينية – الاثنية – المذهبية وصولا الى المواطنة في سياق البلد .
يقصد بالمواطنة تحقق العضوية الفاعلة والمتساوية التي يتمتع بها الفرد في المجتمع وما يترتب عليها – تلك العضوية – من حقوق وواجبات وهو ما يعني بشكل أخر أن كافة أفراد الشعب سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أساس : الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أوالتوجه الفكري. وهذا الامر له قاعدة دستورية في دستور 2005 بشكل واضح في المادة 14 وعدد من المواد والبنود الاخرى
يتميز العراق بأنه بلد فيه تعددية وتنوع ثقافي – ديني – قومي – اثني – مذهبي – لغوي واللتي كثيرا ماكانت تلك المفاهيم سببا في حصول التمييز والتفرقة ولكن حضور وتمثيل ومكانة الافراد وفقا لهذه الانتماءات او الانتماذات المتداخلة ( شبكي – شيعي – سني – كوردي غير كوردي او على اساس الهوية الدينية، ايزيدي – مسيحي – صابئي – بهائي او زرادشتي) كثيرا ماكنت سببا في اختلال التوازنات بخصوص مفهوم المواطنة او حصول التجاوزات عليها علانية من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة.
المبادىء التي على اساسها يتم تنمية المواطنة :
مبدأ المساواة – التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم والعمل والجنسية
والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء واللجوء إلى الأساليب والأدوات القانونية والحصول على المعلومات التي تساعد على تحقيق المساواة ( هناك شكوى كبيرة من قبل العديد من الافراد بان مبدا المساواة غير موجود في البلد وتتأثر مستوى المساواة وتحققها بتأثر الموظفين في السلطات التنفيذية او المشرعين بضمان حق المساواة لجميع مكونات الشعب بأنتمائاتهم ) .
مبدأ التسامح والحرية الفردية : او الحرية الشخصية في التصرف والملبس والعيش خاصة للنساء او الجماعات وفقا لما يؤمنون به متسامحا مع الاخر والقبول بما يؤمن به – ورغم وضوح اهدافهم من أنهم لايواجهون او يمارسون العنف في ممارسة تلك الخصوصيات الفردية ألا أنه كثيرا ما يكون هناك صورة سلبية تجاه المرأة اذا ارادت العيش لوحدها مثلا .
مبدأ المشاركة – وهو الاساس الذي يتمثل في التصويت في الانتخابات بكافة أشكالها وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات والتنظيمات النقابية التي تؤسس وتعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة شريحة معينة من أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها وفي هذا الشأن هناك عدم انصاف لجميع مكونات العراق في موضوع التمثيل في المجالس ( عدد مقاعد الكوتا في برلمان اقليم كوردستان او مجلس النواب ببغداد ) كما لاتوجد عملية منصفة لاحتساب اصوات الاقليات الذين تذهب اصواتهم هدرا، بسيطرة الاحزاب الكبيرة عليها، كما لايوجد انصاف على عملية ضمان الكوتا على اساس ديني قومي اثني، وتجاوز على الذين يرغبون في تأسيس جمعيات او منظمات تهدف الى او تكون معارضة او تتداخل مع خطط وبرامج لأحزاب دينية خاصة وقومية بدرجة اقل.
مبدأ التمثيل في قوى الامن : يبدو ان هذا المبدا او المسار بات يحتل مكانة مهمة في كل بلد بخصوص التمثيل العادل لمكانة كل المكونات المجتمعية في قوى الامن الداخلي والتي من خلالها يمكن ان يتصور المواطنين ان هناك مساواة بين الجميع في المسؤوليات والواجبات، كما من الضروري ان يكون التمثيل ليس شكليا بل مؤسسات تمنح الثقة والمسؤولية لجميع الافراد بعيدا عن انتمائاتهم ونفس الامر بخصوص او مراعاة الجندرية، وخاصة تمثيل المرأة ومكانتها في قوى الامن الداخلي.
مبدأ الحفاظ وتنمية الهوية للافراد او للجماعات – وهو من المبادىء الاساسية والرئيسة في تفعيل دور الافراد في المشاركة والتفاعل – كلما كان هناك مراعاة للهوية كلما كان شعور الافراد بالانتماء للوطن اكثر وضوحا والشعور ان مستوى المواطنة له حضور واساس على اساس الهوية ووفق الاسس المدنية للهوية.
مبدا المسؤولية الاجتماعية : والذي يتمثل في موضوع الانصياع واحترام القانون
واحترام حرية وخصوصية الآخرين أذ تذهب التوجهات الفكرية بعيدا بهذا الخصوص حيث هناك تجاوزات على خصوصية و حرية الاخرين ( اجراء المراسيم الدينية بشكل استفزازي مثلا ) كما ان وصمة العار المجتمعية بسبب انتماءات الافراد تشكل تجاوزا كبيرا على المواطنة ومفهوما ( البشرة السمراء ووصفهم بالعبد ).
مبدأ الوصول وتناول وتداول المعلومات : وهو أمر هام في ان يشعر جميع المواطنين أن بأمكانهم الوصول الى المعلومات وتناولها وفقا لأهتمامتهم بأعتبار ان مبدأ حرية تداول المعلومات هي الاساس لبناء الثقة بين المؤسسات – الحكومة والمواطنين.
مبدأ الحرية – والتي تتمثل في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التنقل داخل الوطن وحق الحديث وتنفيذ الحلقات النقاشية بحرية حول مشكلات المجتمع ومستقبله وحرية التظاهر – او التأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة – حقيقة هذه القيمة او المبدا لم يتمثل بشكل صحيح في منهج الافراد وتعاملاتهم حتى يتحقق مبدأ ولو حرية الاعتقاد ( ديني – لاديني ) او سياسي و فكري مثلا، او مراعاة مطالب المتظاهرين في العراق – بغداد – البصرة افضل امثلة.
مبدأ الحضور والمساهمة في وسائل الاعلام : تعتبر مسألة تمثيل جميع المواطنين في مؤسسات الاعلام والتغطية العادلة لمختلف القضايا التاي تخص المواطنين بمختلف انتمائاتهم واتجاهاتهم الفكرية – السياسية – الثقافية – والدينية واحدة من الامور الهامة التي بموجبها يشعر المواطنين انهم يتلقون التعامل نفسه .
مع عدم وجود فهم واضح للقيم والمبادىء اعلاه الخاصة بتعزيز المواطنة تبقى هناك مجموعة فرص مهمة تتطلب العمل عليها وتوسيعها ووضع الخطط السنوية لمراجعة مستوى تحقيق مبدأ المواطنة لجميع افراد الشعب و على مستويات مختلفة – دون النظر الى مبدأ المواطنة فقط من مسار الاقليات والاثنيات .
على هذا الاساس يتطلب معرفة والعمل على تلك الفرص التي تتمثل بما يلي :
اولا – وجود الرغبة في المؤسسات التشريعية متمثلة بمجلس النواب في اصدار القوانين التي تعد اساسا لفهم المواطنة العادلة ومن خلالها تتحق المساواة – قراءة قانون حماية التنوع وقانون حماية حقوق الاقليات في اقليم كوردستان ووجود بنود دستورية تعد اساسا لتحقيق مبدا المواطنة.
ثانيا – الانفتاح الاعلامي ووجود عدد كبير من وسائل الاعلام وارتفاع نسبة المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن ان تكون بوابة لمعرفة قيم المواطنة بالتواصل الاعلامي او توظيف وسائل الاعلام بالشكل الصحيح لتنفيذ برامج اعلامية خاصة بالمواطنة .
ثالثا – القدرة الان على التدخل في تصحيح مسار المناهج التربوية التي تعد اساسا مهما لنشر وتعزيز مبادىء البمواطنة لما فيها من اساءات او تجاوزات يعتبرها ابناء المكونات انها تقتص منهم.
رابعا – وجود او الحراك الذي ينظمه العدد الكبير من المنظمات غير الحكومية و الفرق الطوعية للنشطاء المدنيين ومدافعي حقوق الانسان الذين يبذلون جهدا كبيرا لتنفيذ المبادرات المدنية المختلفة بخصوص المواطنة او تنفيذ حملات المدافعة المختلفلة التي تخص الدفاع عن حقوق المهمشين والتوعية بمختلف قضايا حقوق الانسان ووجود الدعم الدولي لهذا الامر.
خامسا – القدرة لدى المجتمع المدني في التواصل مع مراكز القرار يمكن ان توفر فرصة لمراقبة وتقويم مسار المؤسسات التنفيذية بخصوص مراعاة مبدا المواطنة .
سادسا – التعددية السياسية والمشاركة السياسية ووجود فرص لتنمية وتوسيع هذا المسار يعطي الفرصة لمزيد من التفاعل في سبيل المشاركة الفاعلة .
سابعا – ظهور او بدء مؤسسات دينية ومراكز قرار دينية بالعمل على مبدأ المواطنة العراقية وهذا يشكل بداية مهمة لو يتم العمل عليها بالشكل الصحيح لتحييد المؤسسة الدينية في هذه المرحلة على الاقل من الوقوف ضد مشاريع تعزيز التعددية والحقوق المدنية .
وبسبب طبيعة الاوضاع التي يشهده البلاد فان الحديث عن المواطنة وضمانة حقوق المواطن يعتبره البعض أمرا ليس في الحسبان في الوقت الحاضر على الاقل، لأن الكثير من الحقوق الاخرى ضائعة او لايوجد عمل عليها ولذلك فان العمل على تعزيز المواطنة يواجه جملة تحديات عملية و اخرى مرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي بمختلف اطيافه او بسبب ارتفاع وتيرة التطرف الديني.
اولا – ربط مسألة تعزيز قيم المواطنة بالجانب الديني يشكل تحديا كبيرا واعتقد ان هناك مؤسسات دينية تتعمد بالعمل على هذا الاساس لانها تعترض تحقيق المساواة والعدالة لجميع افراد الشعب وهو الامر المرتبط بأنتشار التطرف والعنف على اساس الانتماءات الدينية.
ثانيا – وجود بنود دستورية تتعارض ومبدا تحقيق المواطنة – سواءا تلك المرتبطة بالحقوق الدينية او الخاصة بنسب التمثيل والمشاركة.
ثالثا – عدم وجود خطط استراتيجية تعتمدها المؤسسات الحكومية في متابعة ضمان حقوق المواطنين – خطة استراتيجية لضمان حقوق الاقليات – خطة استراتيجية خاصة بتعزيز مكانة المراة في المجتمع – والخ.
رابعا – عدم وجود جهة معنية بمتابعة مستوى تحقق مبدأ او مبادىء المواطنة – تجارب بوجود هيئات او ما شابه لكي تساهم في تأدية دور الرقيب لنشر مفاهيم وتنفيذ خطط تعزيز المواطنة .
خامسا – عدم تطوير المفوضية العليا لحقوق الانسان لبرامج عمليها في ان تكون او تؤدي دور الرقيب لتحقق مبادىء المواطنة او تنشر ثقافة المواطنة باعتبارها الاساس لفهم وضمان وحماية حقوق الانسان .
سادسا – عدم وجود وعي لدى موظفي الدولة بمختلف مؤسساتهم لاهمية مراعاة مبادىء المواطنة في العمل اذ في كثيرا من الاحيان التصرفات والافعال التاي تبدء منهم تكون سببا في تجاوزات على حقوق الافراد بمختلف انتمائاتهم. التي توصف بعدم القدرة على التجرد من الانتماءات والتصرف على ضوئها.
سابعا – وجود حراك منظم وقوي من قبل مؤسسات دينية يهدف الى اضفاء صور محددة في اطر ضيقة على الافراد – دينية وسياسية خاصة في التعاملات او بناء العلاقات.
ان هذه المسارات التي تم توضيحها تعتبر واحدة من الاسس والاركان المهمة لتحقيق الاستقرار المجتمعي، بأعتبار ان تحقيق المواطنة يساهم في تعزيز الامن والسلم المجتمعي، مما يعزز الاستقرار والتطور الاجتماعي بوجود وضومانة المواطنة وخاصة عندما يتم النظر الى هذه المبادىء والمسارات بعيدا عن الانتماءات الدينية باعتبار ان مبادىء للمواطنة وتحقيق وضمانة الحريات هي للجميع وليس على اساس الهويات.
= ورقة عمل لورشة ( الفريق الوطني للمواطنة المشتركة والتعايش السلمي – مركز الملك عبدلله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات KAICIID اربيل 17 كانون الاول 2018).
خضر دوملي – باحث ومدرب في مركز دراسات السلام وحل النزاعات في جامعة دهوك . وتدريسي في قسم دراسات السلام وحقوق الانسان بجامعة دهوك
مدير منظمة الاعلام المستقل- IMCK – عضو شبكة الميسرين العراقيين – NIF –
مستشار المنظمة الايزيدية للتوثيق – مستشار موقع كركوك ناو الاخباري
Khidher.domle@gmail.com