قصة
ايفان رمضان علي الخالتي / عين سفني…… بعد شروق شمس الصباح من كل يوم كان يخرج من داره كالعادة كي يجد له عمل يومي في أطراف البلدة حتى يحصل من وراء عمله على بعض المال كي يعيل نفسه وأمه بعرق جبينه , وفي إحدى الصباحيات وجد في طريقه سواراً من الذهب تتخللها قطع من اللؤلؤ والألماس لم يجرأ أن يأخذها ويضعها في إحدى جيوبه فخبأها في مكان أمين في طريقه وذهب إلى عمله ,
وعند عودته في المساء إلى دارهِ رأى اغلب أهل البلدة أمام قصر الحاكم اقترب من قصر الحاكم وسأل أحداً من أهل البلدة ماذا جرى للحاكم وفي البلدة ؟ فأجابه لقد ضاعت سوار ابنة الحاكم .. وهو في الحقيقة لا يعرف ابنة الحاكم ولم يراها طوال حياته بل سمع عنها بأنها فتاة في غاية الجمال وكم من أبناء الأمراء والحكماء طلبوا يدها من والدها الحاكم لغرض الزواج منها لكن والدها كان يرفض وهي أيضاً كانت ترفض لتواضعها , وضياع سوارها افرح بعض أهل البلدة لأنها رفضت أن تتزوج من أبناء الأمراء والحكماء وهذا درس لقيمتها , والبعض الأخر من أهل البلدة قالوا لو أي احد منا رأى السوار فمن يسلمها إلى الحاكم ؟ فلِمَ لا نبيعها في بلدة أخرى ثمنها بهيض جداً يكفينا لعدة سنوات ..
وحين سمع الشاب أقوال أهل البلدة ركض إلى المكان الذي خبأ فيها سوار الذهب فأخذها ووضعها في كيس طعامه ثم عاد إلى داره وتناول عشاءه وقال لأمه سأذهب هذه الليلة إلى ديوان الحاكم قالت له أمه يا بني لقد بلغت الخامسة والعشرين من العمر طوال حياتك ماذهبت يوماً إلى ديوان الحاكم وما الذي دهاك وأنت تعلم بأن سوار ابنته قد ضاعت فديوانه ليس من مقامك فلِمَ اليوم ستذهب ؟
قال لأمه سأذهب لأرفع ثانية هامة العدل والفعل . وعندما ذهب الشاب إلى ديوان الحاكم جلس وبدأ يسمع أقوال الحاكم بخصوص ضياع سوار الذهب ورأى بأن الحاكم لا يتهم أحداُ من أهل البلدة ثم سأل الحاكم الجالسين ألكم كلام تريدون أن تضيفوا إلى أقوالي تكلموا ؟ لم يجرأ أحداً من الجالسين أن يتكلم لقلق الحاكم وغضبه الشديد من جراء ضياع السوار ومن شدة حبه لأبنته المدللة ,
فطلب الشاب أن يتكلم معه بأمر مهم فرفض بعض الجالسين لأنهم كانوا يعتقدون بأن الشاب يريد أن يطلب من الحاكم بعض المال لأن كان من فقراء البلدة ويخجل ان يتكلم امامهم فقال له الحاكم تفضل ما تقوله ولا تتردد أنا أسمعك .. فقال الشاب للحاكم أنا شاب من أهل بلدتك أعيش مع أُمي وكل صباح اخرج مبكراً من داري بحثاً عن عملٍ ما في اطرف البلدة وفي طريقي اليوم رأيتُ سواراً من الذهب فخبأتها في مكان أمين وعند عودتي من العمل إلى داري عرفت بأن سوار ابنتك قد ضاعت فأنا رأيتها فأحضرتها لك يا سيد الحاكم فأندهش الجالسين فرد عليه الحاكم وقال له :ـ أتعيش بعملك اليومي ؟ رد عليه وقال نعم . فسأله الحاكم :ـ لماذا لم تبعها في بلدة أخرى لأصبحتَ غنياً ؟ قال للحاكم لسببين الأول لأنني لم ادخل يوماً فلساً إلى داري إلا بعرق جبيني والسبب الثاني لأنك يا سيد الحاكم ما اتهمت أحداً من أهل البلدة ,
فقال له الحاكم :ـ ماذا تريد أن أعطيك فأطلب ما تشاء ؟
فقال للحاكم لا أريد منك أي شيء سوى الخير والسلام لك ولبلدتي , فأعطى الشاب للحاكم سوار الذهب .. بعدها ذهب الحاكم إلى غرفة ابنته قال لها ها قد راينا السوار فارتسمت على وجهها ابتسامة قالت لوالدها من الذي رأى السوار ؟
قال لها الحاكم :ـ رآها شاب فقير المال وغنيٌ بالحلال من أهل البلدة ..
فقالت ابنة الحاكم ليته أن يكون فارس أحلامي رغم إنني ما رأيته يوماً في حياتي .
فقال الحاكم لأبنته ماذا نهدي له فابتسمت ابنته ابتسامة عريضة مخجلة ففهم الحاكم ما قصدها وقال لها أتريدين الزواج منه ؟
قالت إذا أنت موافق فقال الحاكم أنا موافق وعند عودة الحاكم الى الديوان عرف الشاب بأن بشائر الخير مطرزة في وجه الحاكم وقال الحاكم للشاب اذا أنت موافق ابنتي لك هدية فتزوجها فرد الشاب للحاكم سأوافق لأنك ما أجبرتني ,
فتزوج الشاب ابنة الحاكم ومرت الأيام . وذات يوم ذهبت ابنة الحاكم إلى قصر أبيها فسألها أبيها ماذا تأكلين وتشربين في بيت زوجك الغني بالأخلاق والفقير بالمال ؟ وكيف حالكِ ؟ أجابت والدها أحياناً أنا أكل رغيفَ خبزٍ يابس ونادراً ما أكل اللحم , وأحيانا بعض الفواكه والخضر مع قطعة رغيف من الخبز, وأحيانا أنام دون عشاء ثم قالت الحمد الله أنا بخير ومقتنعة برزقي كون طعامي تنوعت في دار زوجي وعندما كنتُ في قصرك كنتُ أكل أشهى أنواع الأكلات ففقدت الشهية والذوق ولذة الأكل من كثرة الأنواع ولم أحس بالجوع يوماً
ثم قالت و أنت ترى يا أبي إن دارنا مبني بالطين وقصرك أضخم وأريح منه بكثير فلا غرو أن يسقط سقفه لو أمطرت السماء ورغم كل ما ذكرتُ أنا مرتاحة في داري ,
فقلق الحاكم لوضع دارهم ومعيشتهم وأراد أن يساعدهم لكنه يعرف بان الشاب لا يأكل إلا من تعب عرق جبينه فقرر الحاكم أن يساعده بحيلة ..
وفي احد الأيام قال الحاكم للشاب (زوج ابنته) أريدك أن تذهب إلى بلدة تبتعد عن بلدتنا عدة أميال وتجلب لنا من تلك البلدة بعض فواكهها الطيبة فقال الشاب سأذهب وفي الطريق وضع الحاكم مالاً وبعض الذهب كي يراها في طريقه عند ذهابه .
وعندما ذهب رأى في طريقه ذلك المال والذهب وواصل مشواره وعند عودته إلى بلدته قال للحاكم لقد جلبت لك الفواكه فقال له الحاكم شكراً .. بعدها ذهب الشاب إلى داره ,
وعندما حل الليل لم يجرأ أن ينام داهمه القلق لأنه فكر بالمال والذهب الذي رآه في طريقه لأنه كان يحلم ماذا يقرر أن يفعل ؟ فتارةً قرر أن يبني له قصراً اكبر من قصر الحاكم وتارةً أخرى قرر أن يشتري عدة أملاك البلدة وقرر وقرر وأخيراً قرر أن يتزوج ثانية من فتاة جميلة وما حسَّ بنفسه حتى حل الصباح من كثرة التفكير ثم قال لنفسه حقاً إن المال يغير طبع الرجال كل يوم كنتُ أنام مبكراً وعقلي كان مستقراً فوصل حد الطمع والأنانية إلى أن أتزوج ثانية فمن كانت ستقبل بحالي وبفقري لولا فعلي الرجولي المتواضع باتجاهها عندما وجدتُ سوارها المفقود وأعطيتها وهل سأجد أجمل وأحلى منها وهي تزوجت مني رغم أنها ما رأتني في حياتها قبل أن أتزوجها فعلي الذهاب إلى قصر الحاكم وأعطي له المال والذهب مثلما فعلتُ عندما ضاعت سوار ابنته التي تزوجت مني وكي يرتاح ضميري ولكي أقول له الحقيقة .