حسام سالم
جمعني لقاء مع المخرجة المندائية احلام سعيد في احدى الورش الخاصة بالاقليات الدينية العراقية, فقلت لها هذا الدرفش الذي ترديه جميل جدا, فابتسمت متفاجئة تسالني انت تعرف اسمه؟ فقلت لها نعم ,بالتاكيد فانا عراقي وانت عراقية ومن واجبنا ان نعرف عن بعضنا البعض.
و”الدرفش” هو علم النبي يحيى, وتعتبر المخرجة احلام سعيد صاحبة كتاب “احلام هيمانة في الطقوس المندائية” وتقول ” لقد تم طبع الكتاب في اربيل عام 2012, وهو يحتوي على كل ما يخص ديانة الصابئة المندائية من عادات وطقوس وممارسات دينية وقد اعتمد بهذا الكتاب على مصدرين مهمين هما الكتاب ( الكنزا ربا ) وكتاب ( دراشة اديهيا) وهما كتابان سماويان للديانة المندائية”. واضافت ان نبيهم هو” نبي الصابئة المندائيين هو النبي يحيى بن زكريا وهو اخر الانبياء لدينا” وعن سؤالي عن علاقة الصابئة المندائية ببقية الاديان قالت ” ان علاقة الصابئة ببقية الاديان هي علاقة تعايش واحترام ونحن كديانة مذكورين بالقران الكريم في سورة “مريم” وسورة ” ال عمران” وسورة ” البقرة” وسورة “المائدة” , وعلاقتنا ايضا ببقية الاديان من المسيحية والايزيدية هي علاقة ود ومحبة ولا نحقد على احد ونحن ديانة مسالمة تحترم الاخر ونحن دين غير تبشيري لذا حضى الصابئة بحب واحترام الجميع وهناك بعض الشعائر واوجه التشابه بين الصابئية والمسلمين في الوضوء والصوم والصلاة والمحرمات. اما العلاقة مع المسيحين فتعود الى صلة القرابة بين النبي يوحنا المعمدان والسيد المسيح (عليهما السلام) كون كل منهما ابن خالة الاخر كما ان النبي يحيى (ع) كان قد عمد المسيح (ع) في نهر الاردن. وكما يشترك المندائيون مع اخوانهم المسيحيون في تقديس يوم الاحد واعتبار التعميد شريعة اساسية والامتناع عن تناول اللحوم اثناء الصوم. وفي سياق حديثنا سالتها عن “الدرفش” الذي كانت ترديه حيث قالت ” هو علم النبي يحيى “الدرفش بالمندائية” وهو عيدانة مصنوعة من اغصان الزيتون المربوطة بحبل من حرير بشكل قائم. وكان يصنع رداءه الابيض من قماش الجز الخفيف النادر الوجود والغالي جدا حيث يمثل اللون الابيض الطهارة والنظافة ويستخدم اثناء التعميد. اما اغصان الاس السبعة التي تمثل السلام وتوضع في اعلى الدرفش , ثلاثة اغصان الى اليمين وثلاثة الى اليسار والسابع الى الامام. ان رق الاس الدائم الخضرة طيلة ايام السنة يمثل ديمومة واستمرارية وجود الحياة وايمانه باليوم الاخر فيتخذه الصابئة المندائيون رمزا لهم في كل مناسبته الاجتماعية والدينية.
وعن لغة الصابئة المندائية تحدثت للزمان قائلة ” ان اللغة المندائية احدى لهجات اللغة الارامية المتفرغة من عائلة اللغات السامية اذ ان جميع المخطوتات الدينية قد دونت بها كما انها اللغة المتداولة في الطقوس والشعائر الدينية حتى الان وتتكون الابجدية المندائية بحرف الالف وتنتهي به , لايماننا بان كل الاشياء تعود الى اصولها وبدايتها.وعن دور المراة في الحياة المندائية قالت السيدة احلام ” ان الدين المندائي يؤكد على دور المراة في الحياة العامة حيث جاء في كتاب (الكنزاربا) المقدس لدينا , ان الخالق العظيم انبعث من ذاته, بامره وكلمته وكونت جميع المخلوقات , كما خلق ادم وحواء بقدرته وقوته من الصلصال , وان المراة رمز للنماء والتكاثر وهي الحجر الاساسي الذي تقوم عليه الاسرة وسر سعادتها وتطورها, وتؤكد الديانة المندائية على المساواة الكاملة بين الرجل والمراة وتتجلى هذه المساوة في عملية الخلق الاول. وفي ختام حديثنا لم يسعني الا وان اسئلها عن العلاقة التي تربط الصابئة بالماء ودور الماء الجاري في طقوسهم ومعتقدتهم حيث قالت ” ان العلاقة بين المندائين والماء الجاري علاقة روحية , وقد اقاموا منذ اقدم العصور على ضفاف نهري دجلة والفرات, ويمارسون طقوسهم في النهر الجاري. هذه الوقفة الجميلة للتعرف على جزء بسيط من تاريخ وديانة وطقوس الصابئة هي وقفة تستحق القراءة من قبل كل عراقي لتعزيز وزيادة معرفتنا ببقية المواطنين من بقية الاديان والنعتقدات لخلق ثقافة عراقية متنوعة ومتسامحة, ومعرفة ذاتنا العراقية معرفة جيدة وعميقة.